مكالمة جماعية

لحظة انتظرها سيد نصر، أبلغته زوجته أنها حامل بالشهر الأول؛ وضع الزوجان الحديثان خططًا لكيفية قضاء شهور الحمل الأولى، وكيف يُمكن استقبال المولود الجديد في العائلة، لكن كل تلك الخطط تلاشت حين أُصيبت الزوجان بفيروس كورونا، وعليه انتقلا سويًا إلى مستشفى كفر الزيات، كل واحد منهما بغرفة مختلفة، قسوة التجربة تضاعفت، في لحظة غابوا عن أنظاره، لم يكن ثمّة أمل سوى في مكالمة هاتفية تروي اشتياقه.

يوميًا يتلهّف الشاب لاستقبال مكالمة تُخفف من مرارة التجربة؛ يستمع لصوت زوجته ويطمئن على الصغير. طابق واحد، وأمتار من الخوف، أبعدت الزوجان عن بعضهما "فكرة إننا نبقى في نفس المستشفى، بس مش قادر أشوفها وأطمن عليها كانت صعبة عليا".

لم تعرف عائلة سيد معنى العُزلة، في نفس الشارع تقطن عائلة والده "بيوتنا مفتوحة لبعض، محدش بيقعد لوحده"، لكن مع كورونا انفرط رباط العائلة، تسللت العدوى إلى الباقيين رويدًا رويدًا، توفيت جدته واثنين من أعمامه، ذهب البعض للمستشفى نفسها، والباقي بمستشفى أخرى "لأول مرة نتفرّق، حتى لو قاعدين في نفس المكان".

انضم إلى سيد في نفس الغرفة بالمستشفى زوج عمته، على بعد قرابة مترين كان يمكث الطرفان، يتحدثان سويًا أحيانًا دون تلفُت لرؤية الأخر. بعد أيام من ابتلاع صدمة ما جرى لعائلة نصر، حاول التخفيف عن باقي العائلة "كنت ببعت لأبويا وأمي ومراتي الرسائل مع الممرضين، وأحيانًا نتكلم في التليفون"، كانت العائلة من أوائل المصابين بالوباء في مصر، وذلك في مارس من عام 2020.

صار اليوم موزعًا على أفراد عائلته، يتفق مع من تحمل هواتفهم مميزات مثل الكاميرا والتواصل الإلكتروني، إذ وقتها كان مسموحًا وجود هواتف ذكية داخل غُرف العزل بالمستشفيات "وكنا بنتكلم مكالمة جماعية، ممكن يبقى فيها 6 أشخاص"، فيما يحاول رفيقه في الغرفة المناداة بصوت أعلى حتى يصل إلى مسامع المتواجدين بالمكالمة الجماعية، أما مع والده ووالدته كان الوضع مُختلفًا، نظرًا لعدم تواجد الخدمات نفسها بهواتفهم "قعدت أكثر من شهر مش عارف أشوفهم، لكن على الأقل بسمع صوتهم".

كانت محاولات سيد لالتئام جراح الأسرة تنجح أحيانًا، يطمئن قلبه حين ينزع عن والده ضحكة، أو تشعر زوجته بالسكينة قليلًا، يُصبّر أبناء أعمامه على مصابهم "ده كان بيهوّن كتير، لو مكناش بنتكلم باستمرار كان ممكن حد فينا يحصل له حاجة".

بعد أسبوعين، خرج سيد وزوجته من المستشفى بعد سلبية المسحة مرتين، فيما كان لايزال بعض أفراد عائلته بالمكان، من ضمنهما شقيقته الحامل في شهرها التاسع والأخير "وولدت في المستشفى، وبعد ما اطمنوا على الولد خرج لنا"، لكن مكثت شقيقته حوالي 41 يومًا في المستشفى، بات الشاب مُجددًا عصب التواصل بين الأم وصغيرها "كنت بصوره باستمرار وابعت لها عشان تقدر تشوفه، أو أسمعها صوته حتى لو بيعيط بس تبقى عارفة صوت ابنها".

لم تكن التجربة سهلة على نفس الشاب وعائلته، لكنه حاول التجاوز بأمور بسيطة، حتى وإن كانت مكالمة هاتفية في اليوم، أو مطالعة صورة عائلية في لحظات صفاء "كنت عارف إننا مش هنعدي من الموضوع غير وإحنا بنساند بعض، وإنها تجربة وعدت ولازم نكمل".

Person


القصة التالية: النظرة الأخيرة كانت عبر شاشة هاتفنا