رمضانك في خيمة| نازحو تركيا: بهجة رمضان ضاعت بين الحرب والزلزال.. "ما ضل حدا"

قبل نحو 14 عامًا، ومع بداية الحرب في سوريا، قررت عفراء الرحيل رفقة زوجها وأبنائها الـ6 إلى تركيا، هربًا من القصف الذي كان يداهمهم ليل نهار، اعتقدت السيدة أنّها ستجد حياة أقل معاناة في الأرض الجديدة لكنّ الأمر لم يسر وفق ما كانت تأمل، فعقب تجاوزها الحدود استقر بها الحال داخل مخيم إيواء للنازحين، لتقضي السنوات العشر الماضية تتنقل بين خيمة وأخرى.

لم يكن أمام عفراء والمئات بل الآلاف من أبناء شعبها سوى تقبل الوضع فإما العيش بأمان داخل المخيم أو العودة إلى سوريا، سنوات طويلة عاشتها تُحاول التأقلم على وضعها الجديد، داخل مخيم "ضباب" بتركيا، لكن المعاناة لم تشأ أن تتركها وحيدة، ففي بداية عام 2023 منتصف ليل السادس من فبراير، ضرب زلزال عنيف الشمال السوري وجنوب تركيا، ليطال الدمار المخيم الذي كانت الثلاثينية تقيم بداخله والعشرات من السوريين.

"لهلأ ما عم نستوعب اللي صار" لحظات لن تغادر ذهن عفراء وأبنائها، فلا فرق بين الهرب من صاروخ يسقط فوق رؤوسهم، والخوف من هزة أرضية كانت تًحرك الأرض بقوة تحت أقدامهم، في المرتين نجت عفراء وصغارها الستة لكنها فقدت العديد من أصدقائها ورفاقها بعضهم مات في قصف وآخرين استقرت أجسادهم تحت أنقاض الزلزال.

"زمان كنا نحس في رمضان وخيره هلأ ماضل حدا كل واحد بديرة" عفراء بعد الزلزال انتقلت من المخيم الذي كانت تقطن به إلى آخر ، اليوم تقيم رفقة صغارها وزوجها، بداخل خيمة صغيرة بمخيم "بخشين" في مدينة أنطاكيا التركية، أحد المدن التي نالت الدمار الأكبر من الزلزال، فقدان الشعور رمضان وبهجته لازم عفراء لنحو 14 عامًا، منذ اليوم الأول من الخروج من سوريا.


قبل رمضان بأيام كانت العائلة تستعد لاستقباله يبدأ الأطفال بصناعة الزينة للمنزل، بينما تقوم النساء بتجهيز أنواع مختلفة من الأطعمة والمشروبات، كان منزل "عفراء" بشمال سوريا في حالة طوارئ قبل الشهر الكريم، الكل يستعد لاستقباله، العائلة بأكملها تجتمع على مائدة واحدة، لم يخلوا بيت السيدة من زيارات الأهل والأقارب على مدار 30 يومًا، لكن الحرب جاءت لتفرق من تجمعوا حول المائدة، " كل ما تذكرت أيام زمان بتدمع عيني".

الصورة تغيرت تمامًا فقبل أيام من رمضان كانت عفراء بانتظار المعونات التي تُقدم لهم بالمخيم، زوجها يعمل يومًا ويجلس في المنزل أيام عدة فلا تتوفر الكثير من فرص العمل لهم، الظروف التي تعيشها السيدة والآلاف من السوريين داخل مخيمات الإيواء جعلتهم لا يفكرون في طقوس رمضان أو غيره، لكن تفكيرهم الوحيد بات يقتصر على البحث عن الطعام ومياه صالحة للشرب فقط، " كان العالم تتحمس شوي قبل الزلزال، كان ممكن نشوف زينة بالمخيم، بس بعد الزلزال ما ضل في نفس على شي".

أبناء عفراء كانوا يسألونها ليل نهار عن قدوم رمضان، يطلبون منها شراء زينة للخيمة، فجارتهم اشترت بضع قصاصات صغيرة من الورق ووضعته في الخيمة من أجل إدخال السرور على أطفالها، لكن عفراء لم تمتلك الأموال لشراء تلك القصاصات، عادت بالذاكرة لما قبل الحرب حينما كان الصغار ينتظرون قدوم رمضان، يحلمون بأيامه وبهجة قدومه ليل نهار، "الصغار كانوا كثير متحمسين اشتقنا لفرحتهم زمان".

رغم ما تعانيه عفراء اليوم، داخل خيمتها الصغيرة في المخيم، لكنها لا زالت تؤمن أن الخير في رمضان ليس كغيره من الشهور الأخرى، تحاول الفتاة أن تًسعد صغارها بمقومات بسيطة، حتى ولو كانت تجهيز أكلة يشتهيها أحدهم، أو مرافقتهم لأداء صلاة التراويح بمسجد المخيم للمرة الأولى منذ الزلزال، لكن أكثر ما تفتقده السيدة هي أفراد عائلتها، "من ضل على مقولتنا رمضان كريم والخير برمضان"