مصرية.. العفو في حضرة "الطيب"

ما إن فرغ المصلون من صلاة العشاء-رمضان 2014، وقبل أن تبدأ صلاة التراويح؛ أسرع الطفل "سعد" كعادته إلى منزله بقرية الرحمانية بنجع حمادي، لملء قوارير الماء وتوزيعها على المصلين قبل بدء صلاة التراويح، وبينما هو في طريقه استوقفه مشاهدة أطفال يلعبون بالألعاب النارية، وانفعال جارهم بسبب ضجيج الأطفال.ل.

أخرج الرجل مسدسه وأطلق عياراً نارياً لتفرقة الأطفال إلا أن الطلقة استقرت في صدر "سعد" وأردته قتيلاً في الحال.

بمجرد علمها بخبر مقتل طفلها، هرولت والدته "مصرية" وأبناؤها إلى مكان الحادث فوجدوا جثته ممددة على الأرض، يلتف حولها عدد من الأهالي؛ صرخت الأم وبدأت تهذي بكلمات غير مفهومة، مطالبة أبناءها بالثأر لشقيقهم.

منذ مقتل ابنها لم تفارق "مصرية" حجرة مطلة على الشارع، مخصصة لاستقبال الضيوف، إلا للشديد القوي. منزوية بركن من أركانها، تستقبل النسوة المعزيات، تعلوها صورة المجني عليه معلقة على حائط.

بدأت الأم تبحث مع أبنائها كيفية الانتقام من قاتل شقيقهم، اتفقوا جميعاً على الثأر من القاتل شخصياً وليس أي شخص آخر "أبوه وإخواته ملهمش ذنب"؛ أعدوا العدة، خرجوا متسلحين يبحثون عنه في شوارع القرية، دون جدوى، حتى قبضت الشرطة على المتهم، وحكمت المحكمة بحبسه سبع سنوات بتهمة القتل الخطأ.

خلال مدة عقوبة المتهم، كان عمدة القرية وآخرون يحاولون اقناع الأم بالعفو وقبول الصلح، لكن ما قصته إحدى السيدات للأم كان سببا لتصميمها على الانتقام لنجلها "مرات فرج (والدة القاتل) حرقت فرخة ودفنتها مكان الحادثة، لو مخدتيش التار ابنك هيفضل يتعذب في قبره". ويعود هذا التصرف إلى الاعتقاد بأن تلك العادة ستمنع مضايقة قرين القتيل لأسرته.

مقولة السيدة أشعلت النيران في قلب "مصرية"، يقول أحد أقاربها: كانت تكتم فمها بالوسادة وتبكي وتئن، حتى نجحت لجنة المصالحات المشكلة من الأزهر، بعد 6 سنوات، في إقناعها بالصلح، اشترطت مقابلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، فاستضافها في ساحته بمحافظة الأقصر، وطمأن قلبها، بأن ابنها عريس في الجنة إن شاء الله.

"مصرية"، أم لخمسة أبناء (4 ذكور وابنة واحدة-أصغرهم المجني عليه)، توفى زوجها منذ زمن بعيد، لم يتمكن أيً منهم من الزواج بسبب الثأر، يوضح الابن الأكبر: أنه تقدم لخطبة فتاة من القرية، لكن أسرتها رفضت "هيجوز بنته لناس عندهم تار"، لافتاً الى أنه يعزم جاداً على إكمال نصف دينه، بعدما انكشفت الغمة، عصر الإثنين، 10 فبراير 2020.

custom-preview

"أم أيمن".. الوقوف في وجه القبيلة