لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

قصة المسلمة الوحيدة وسط الـسبع كنائس: "رمضان هنا أفضل كثيرًا"

11:18 ص الأربعاء 08 مايو 2019

هدايا تذكارية

كتابة- تصوير- مارينا ميلاد:

"أميرة بخيت".. اسم لا يَدل على ديانة صاحبته، كما أنها لا ترتدي حجابًا بشكله المعروف؛ إنما غطاء رأس يمكن أن تحرص عليه من في سنها وينتمين إلى بيئات ريفية أو صعيدية بعيدًا عن انتمائهن الديني.

تفترش أمام أحد البيوت- على بابها "سعف"- بالممر الضيق الواصل بين كنائس مصر القديمة في المنطقة المعروفة باسم "السبع كنائس"، تحديدًا في حارة القمص بسطوروس.

تبيع على طاولة تعلوها صورة العذراء مريم الهدايا التذكارية للزائرين من الأجانب والمصريين: صور قديسين في المسيحية، إكسسوارات، وسلاسل بعضها يحمل صلبانا وأخرى تحمل خرزا أزرق وإشارة "الخمسة وخميسة" المعروفة في الثقافة المصرية، ومفتاح الحياة الفرعوني.

1

تُقبل السيدة السمراء ذات الـ60 عامًا على أحد الآباء الكهنة القادمين لتقبل يده، تدخل وتخرج من الكنيسة، وتخزن بضاعتها في حوش أحد البيوت الذي تمتلكه سيدة تدعى سامية أو "أم مينا" (اللقب الدارج في المنطقة). ستوضح أميرة فيما بعد أنها لا تدفع إيجارا مقابل ذلك.

13

الجميع يعرف أميرة: القساوسة، والزوار المعتادون، وأمناء الشرطة، وأصحاب المحال، وسكان المنطقة. لا يمر أحد إلا ويلقي السلام عليها، لكن اقترن سلامهم هذه الأيام بـ"كل سنة وإنتي طيبة. رمضان كريم"، لتكن هي الإشارة الوحيدة التي دلت على ديانة أميرة. فهي المسلمة الوحيدة بـ"ممر الكنائس"، الذي يسكنه نحو 15 عائلة مسيحية، ويملك محاله مسيحيون أيضًا.

12

كثيرون نلقاهم في حياتنا اليومية يذكروننا بأميرة: هؤلاء الذين أصبحوا جزءًا أصيلاً من حارتهم ومنطقتهم كما كان يصورهم نجيب محفوظ في رواياته. فإذا كنت غريبا عن المكان وتحتاج لأحد ليرشدك، إذا أردت أن تعرف أسراره وتتعمق داخله، إذا أردت الوصول لأي شخص، فيشير عليك الواقفون بسؤال أميرة، التي تعمل هنا منذ 35 عاما.

لكن علاقتها مع المكان لم تبدأ منذ هذا الوقت، إنما قبله بسنوات عندما كانت طفلة وتأتي مع والدها الذي كان يفترش أمام الكنيسة المعلقة ليبيع نفس المنتجات، ولم يعقه فقدانه لبصره عن عمله، ثم ظلت تأتي مع إخوتها "حسنية" و"كرم" وأخذا المهنة أيضًا من والدهما.

توفى والدها، ووالدتها، وإخوتها، وبقيت أميرة في نفس المكان.

7

"المنطقة فيها مراعاة للمشاعر. هنا مفيش حد بيأكل ويشرب قدامي رغم إني واحدة بس في المكان"، تقول أميرة، التي تقطع حديثها بكلام صيني أو إنجليزي، لتحيي القادمين من الأجانب وتلفت نظرهم إلى ما تبيعه.

أميرة لم تدخل مدارس يوما مثل والدها وإخوتها، لكنها- كما تقول- "تعلمت بالممارسة".

تعود، وتواصل ما كانت تقوله عن رمضان الذي تقضي نهاره وسط الصلوات المسيحية: "أنا بنت المكان ده، بنت القساوسة والكنيسة، في العيد باخد عيديه منهم من أول لما كانت 10 جنيهات لحد 100 جنيه، ولما بحب ارتاح بدخل كنيسة أبوسرجة (وتشير بيدها إلى الكنيسة التي تجلس بجوارها)، واشتكي للعدرا واتكلم معها، ووالدتي كانت بتعمل كده. عمري ما حسيت بفرق ولا فكرت أن أقضي رمضان بعيدا عن هنا، رغم إن معايا رخصة بائع متجول من وزارة السياحة وممكن أخرج بره".

811

تحرص أميرة أن يأتي أحفادها إلى السبع كنائس لتعودهم على ما عودها عليه والدها. وكما كانت تفعل أيضًا مع بناتها هانم (31 عاما)، وإيمان (28 عاما)، واللتين لا تفكران في استكمال مهنة والدتهما بعد أن تزوجتا. فقد تركت الأولى العمل بعد أن تخرجت في كلية الحقوق، واكتفت الثانية بالثانوية العامة.

"مثلا ولادي وأحفادي يحبوا القربان جدًا (الخبز الذي يقدم في طقس التناول بالكنيسة) ولازم أجبلهم معايا ولو أبونا جه وملقنيش يسيبلي نصيبي مع مينا". تلك الروح الموجودة لدى أميرة ربما كان سببها الأماكن التي عاشت بها وما فعلته في نفسها. فنشأة هذه السيدة وعائلتها في حي شبرا المعروف بكنائسه الكثيرة، ذلك قبل أن تنتقل إلى حي الأزهر، الذي يحيط أسواره تاريخ يعكس هوية القاهرة القديمة: أكثره إسلامي، يخالطه المسيحي أيضًا.

مينا التي ذكرته أميرة في حديثها هو أحد العاملين في المحل الذي يجاورها ويبيع نفس منتجاتها منذ تسع سنوات. يجلس مينا مع أميرة طوال الوقت تقريبًا، يتسامران عن الأجانب وزملائهما، ويمازحها بأنه سيأتي بكوب شاي أمامها. يقول مينا: "مفيش منافسة بينا، لكن هي لو باعت حاجة بسعر معين لازم تقولي وهكذا إحنا".

10

على بعد خطوات من جلسة مينا وأميرة، اتخذت السيدة كاميليا داوود (65) سنة، وهي من ساكني هذا الممر، مكانها المعتاد أمام المعبد اليهودي. تعيش هذه السيدة بمفردها، ما جعلها أقرب لهؤلاء الموجودين بالخارج: "أعرف أميرة وأختها حسنية من قبلها، اتربينا سوا، ومنقدرش ناكل ونشرب في رمضان مش قدامها هي بس لكن كمان قدام الشرطة.. ميصحش".

خلفها داخل معبد "كنيس بن عزرا" كان وجيه ثابت، المرشد السياحي موجود مع بعض الأجانب، الذين خرجوا ليمروا على منتجات أميرة. لم يفوت على الرجل أن يهنئها بحلول شهر رمضان: "أحلى حاجة في أميرة وهي النقطة المهمة بالنسبة لي كمرشد، أنها بتعرف تتعامل مع الأجانب، متضغطش على حد عشان يشتري، تبتسم في وشهم، وتقولهم من نفسها You have the best guide- (لديكم أفضل مرشد) رغم أني مبوجهش حد ليها".

14

صور تذكارية لأميرة مع السائحين تحتفظ بها على هاتفها

ولأن الصورة ليست بهذه النسخة "الوردية" دائمًا، فصادفت أميرة مواقف مزعجة لكن ذاكرتها لم تسع لها ولم تكترث بها؛ إلا موقفًا واحدًا تتذكره وهو – بحسب روايتها - عندما تشاجرت مع زائرة قررت أن تعيد لها ما اشترته منها، فقالت أميرة لها إنها لا يصح أن تطلب ذلك وزبون آخر موجود، فردت الأخرى بأن أميرة لا يصح أن تكون موجودة هنا. وهو ما جعل الأخرى تبكي وجعل كاهن الكنيسة يتدخل ويمنع الأولى من دخول الكنيسة.

غادرت أميرة قبل موعدها اليومي بساعة ونصف، فيومها الذي يبدأ السابعة صباحًا ينتهي في الرابعة مساءً، لكن اليوم ستذهب لتتناول الإفطار مع بناتها لأنها تعيش بمفردها بعدما انفصلت عن زوجها قبل 23 عامًا: "عشان كده أغلب الوقت ممكن أفطر هنا. المكان ده بيتي ودول أهلي؛ ملقتش أبدًا راحة أكتر من هنا".

346

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان