معركة "قوصوه".. فيها استُشهد السلطان مراد الأول وانتشر الإسلام في البلقان
كتب – هاني ضوه :
كان للدولة العثمانية التي كانت تمثل الخلافة الإسلامية في عصرها، توسعات وفتوحات كثيرة امتدت إلى أوروبا، وأسهمت بشكل كبير في انتشار الإسلام في مناطق لم يكن من السهل الوصول إليها، واندرجت تحت حكم الخلافة العثمانية.
ومن أجل ذلك قاد الخلفاء العثمانيون الكثير من المعارك من أجل فتح بلاد جديدة، ومن تلك المعارك معركة "قوصوه" أو "كوسوفا" وهي المعركة التي وقعت في مثل هذا اليوم 20 جمادي الآخر سنة 791 هـ بين جيش العثمانيين وجيش الصرب والألبان، في سهل "كوسوو"، وكانت لنتيجتها الأثر البالغ بعد انتصار العثمانيين بقيادة السلطان مراد الأول الذى استشهد فى هذه المعركة، لتدخل بعدها منطقة البلقان إلى حكم الدولة العثمانية وينتشر الإسلام فيها إلى يومنا هذا ولمدة تزيد عن 649 سنة.
تبدأ الحكاية عندما استشعر ملوك أوروبا الخطر من توسعات الدولة العثمانية في أوروبا وتهديد عروشهم، خاصة بعد أن وصلت إلى حدود بلغاريا وألبانيا وصربيا، فقرروا مهاجمة الدولة العثمانية فهاجموا مدينة أدرنة ذات الأهمية الكبير للعثمانيين خاصة وأنها كانت بمثابة العاصمة لها، فهي تقع على ثلاثة أنهر ووكذلك بسبب تحصيناتها العسكرية وقربها من مجريات العمليات العسكرية، وبني فيها دور العلم والمساجد، فكانت أدرنة ثان أهم مدينة بيزنطية بعد القسطنطينية.
وجاء هجوم الصرب والألبان على الدولة العثمانية بعد أن استنجدوا بالبابا الذي أمر بشن ما أسموه بالحملة الصليبية الجديدة، وعلى الفور استنهض ملك الصرب أمراء البوسنة والأفلاق والمجر من حلفائه، وتوجهوا صوب "أدرنة" وكان السلطان مراد غائبًا عنها في ذلك الوقت.
علم السلطان مراد بالتحرك الأوربي تجاه دولته، فأسرع لملاقاتهم ليلًا وانقض عليهم فهزمهم هزيمة كبيرة، وغرق حينها أمير الصرب في نهر ماريتزا أثناء هروبه مع ملك المجر الذي نجا من الموت بأعجوبة.
بعد ذلك قام ملك الصرب الجديد بالتحالف مع أمير بلغاريا لمحاربة العثمانيين، فلما قامت الحرب هرب أمير بلغاريا ثم تصالح الصرب والبلغار مع الدولة العثمانية نظير حماية سنوية يقدمونها لهم، ولكن الصرب نقضوا عهدهم وتحالفوا مع ألبانيا ضد العثمانيين والتقى الفريقان فى قوصوه.
كان السلطان مراد يتوغل في بلاد البلقان بنفسه فحاول لازار ملك الصرب الانضمام للألبانيين ومحاربة العثمانيين فأدركه الجيش قبل وصوله إلى مبتغاه في سهل قوصوه (كوسوفو)، فدارت معركة عظيمة الأهوال بين الطرفين وانحاز صهر لازار إلى جانب المسلمين بفرقته المؤلفة من عشرة آلاف مقاتل.
وذكرت الموسوعة اليوغوسلاڤيَّة بِنسختها الصادرة سنة 1972م، أن عدد جيش الدولة العثمانية تراوح ما بين 27,000 إلى 40,000 جُندي، أما جيش الحملة الصربية فكان بين 12,000 إلى 30,000 جُندي.
دارت رحى المعركة الحامية التي قادها السلطان مراد الأول بنفسه، وكذلك أبناؤه، حيث ولى ابنه بايزيد إمارة الميمنة وابنه الآخر يعقوب إمارة الميسرة.
وذكرت المصادر العُثمانيَّة والإسلاميَّة أنَّ الصدر الأعظم قره خليل باشا الجندرلي كان يحملُ معهُ مُصحفًا قُبيل وُقُوع المعركة، ففتحهُ على غير قصد فوقع نظره على آيةٍ من سورة الأنفال هي: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ)، فاستبشر بِالنصر واستبشر معهُ السُلطان والمُسلمون.
وقبل معركة قوصوه وقف السلطان مراد الأول يدعو الله قائلًا: "يا الله يا رحيم يا رب السموات يا من تتقبل الدعاء لا تخزني يا رحمن يا رحيم استجب دعاء عبدك الفقير هذه المرة أرسل السماء علينا مدراراً وبدد سحب الظلام فنرى عدونا , وما نحن سوى عبيدك المذنبين إنك الوهاب ونحن فقراؤك، ما أنا سوى عبدك الفقير المتضرع، وأنت العليم يا علام الغيوب والأسرار وما تخفي الصدور ليس لي من غاية لنفسي ولا مصلحة ولا يحملني طلب المغنم فأنا لا أطمع إلا في رضاك يا الله يا عليم يا موجود في كل الوجود أفديك بروحي فتقبل رجائي ولا تجعل المسلمين يبؤ بهم الخذلان أمام العدو، يا الله يا أرحم الراحمين لا تجعلني سبباً في موتهم، بل أجعلهم المنتصرين، إن روحي أبذلها فداء لك يا رب إني وددت ولازلت دوماً أبغي الاستشهاد".
وتبدأ المعركة وتشتد حتى فرّ صهر ملك الصرب "لازار" ويدعى "فوك برانكوفتش" ومعه عشرة آلاف فارس والتحق بجيش المسلمين، فدارت الدائرة على الصرب وجرح لازار وأسر فقتله العثمانيون وانتصر المسلمون.
وتحقق للسلطان مراد الأول في هذه الحرب الحسنيان النصر والشهادة، بعد أن طعنه جندي صربي يدعى ميلوش كابيلوفج بعد أن أدعى أنه يريد أشهار إسلامه على يد السلطان مراد، وخبأ خنجره بداخل ملابسه وقام إليه وكأنه يريد تقبيل يده، وسدد ضربة في صدر السلطان مراد الأول ليموت شهيدًا في ساحة القتال وعمره (65) عامًا، وينتشر الإسلام في منطقة البلقان إلى يومنا هذا.
وذكر عزتلو يوسف بك آصاف في كتابه: " تاريخ سلاطين آل عثمان" أن اخر كلمات السلطان مراد كانت: "لا يسعني حين رحيلي إلا أن أشكر الله إنه علام الغيوب المتقبل دعاء الفقير، أشهد إن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وليس يستحق الشكر والثناء إلا هو، لقد أوشكت حياتي على النهاية ورأيت نصر جند الإسلام. أطيعوا ابني يزيد، ولا تعذبوا الأسرى ولا تؤذونهم ولا تسلبوهم وأودعكم منذ هذه اللحظة وأودع جيشنا الظافر العظيم إلى رحمة الله فهو الذي يحفظ دولتنا من كل سوء".
فيديو قد يعجبك: