في ذكرى ميلاد البخاري.. رؤيا لسيدنا إبراهيم وأخرى لرسول الله ترسمان مصيره
كتبت – آمال سامي:
في مثل هذا اليوم ولد الإمام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، الشهير بالبخاري، والملقب بأمير المؤمنين في الحديث، صاحب أشهر الكتب الصحاح وأحد أبرز اعلام القرن الثالث الهجري، وكان جده "المغيرة" مجوسيًا، وأسلم على يد اليمان الجعفي والي بخارى، أما والده إسماعيل بن إبراهيم فقد طلب العلم. حسبما يروي الذهبي في سير أعلام النبلاء.
في عام 194 هجريًا، ولد البخاري في شوال وقيل في الثالث عشر منه في بخارى، ونشأ البخاري يتيمًا وربته أمه، وقد أصيب في نظره وهو صغير، وبكت عليه طويلًا ودعت الله له بالحفظ والسلامة، لتأتيها رؤيا لسيدنا إبراهيم عليه السلام فقال لها: "يا هذه، قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك، أو كثرة دعائك"، ويقول راوي هذه الحادثة أنهم قد أصبحوا وقد رد الله علي البخاري بصره.
ويروي الذهبي في سير أعلام النبلاء قصة بداية البخاري لطلب العلم، وكيف أصبح فيم بعد أكبر عالم حديث في عصره، فيقول عن أبي محمد بن أبي حاتم: " قال : قلت لأبي عبد الله : كيف كان بدء أمرك ؟ قال : ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب . فقلت : كم كان سنك؟ فقال : عشر سنين ، أو أقل . ثم خرجت من الكتاب بعد العشر ، فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره . فقال يوما فيما كان يقرأ للناس : سفيان ، عن أبي الزبير ، عن إبراهيم ، فقلت له : إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم . فانتهرني ، فقلت له : ارجع إلى الأصل . فدخل فنظر فيه ، ثم خرج ، فقال لي : كيف هو يا غلام ؟ قلت : هو الزبير بن عدي ، عن إبراهيم ، فأخذ القلم مني ، وأحكم كتابه ، وقال : صدقت . فقيل للبخاري : ابن كم كنت حين رددت عليه ؟ قال ابن إحدى عشرة سنة . فلما طعنت في ست عشرة سنة ، كنت قد حفظت كتب ابن المبارك ووكيع ، وعرفت كلام هؤلاء ، ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة ، فلما حججت رجع أخي بها ، وتخلفت في طلب الحديث ".
وارتحل ليطلب الحديث، فرحل إلى بلخ ومرو والري وهراة ونيسابور، ويقول الخطيب البغدادي عن رحلته في طلب العلم: "رحل في طلب العلم إلى سائر محدثي الأمصار، وكتب بخراسان والجبال، ومدن العراق كلها، وبالحجاز والشام ومصر"، وروى عن مالك بن أنس وحماد بن يزيد ولقى عبد الله بن مبارك، ومن أشهر تلامذته الإمام مسلم صاحب أحد الصحيحين، وكذلك روى عنه الترمذي وأبو حاتم وإبراهيم بن إسحاق الحربي، وغيرهم كثير.
قصة كتابته لصحيح البخاري
قبل البخاري كانت كتب الحديث يتمزج بها الصحيح مع المعتل والضعيف وموضوع وغيرها، وكانت آثار عصر الصحابة وكبار التابعين ليست مكتوبة ولا مدونة، وكان سبب ذلك قوة أذهانهم حينها وسعة حفظهم، وكذلك التحذير من كتابة أحاديث النبي في البداية خشية لاختلاطها بالقرآن، وايضًا عدم احسانهم للكتابة، ويقول الذهبي: "لما انتشر العلماء في الأمصار وكثر الابتداع من الخوارج والروافض، دونت (الأحاديث) ممزوجة بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين وغيرهم".
وكان اقتراح كتابة صحيح البخاري ناشئًا في البداية في مجلس إسحاق بن راهويه، فكان البخاري جالسًا واسحاق يقترح على إخوانه: "لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة النبي – صلى الله عليه وسلم –"، فيقول البخاري: فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الصحيح ، وقد روي عن البخاري نفسه رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم التي جعلته يشرع في بداية جمع الصحيح فيقول: "رأيت النبي – صلى الله عليه سلم – كأني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذب عنه، فسألت بعد المعبرين فقال: إنك تذب عنه الكذب، فهو الذي حملني على إخراج الصحيح".
على الرغم من شهرة صحيح البخاري المسمى بـ "الجامع الصحيح"، إلا أن له كتبًا أخرى مميزة، منها الأدب المفرد، وكتاب الهبة، والمسند الكبير، والعلل والفوائد ولكنهما من المفقودات، وله أيضًا كتب التاريخ الكبير والتاريخ الأوسط والتاريخ الصغير.
توفي البخاري بسمرقند في ليلة عيد الفطر يوم السبت أول شوال عام 256 هجريًا، وكان عمره 62 سنة تقريبًا، وله قبر وضريح معروف حتى الآن بسمرقند.
من أقوال العلماء عنه:
• قال أحمد بن حنبل: "ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل البخاري".
• قال الحافظ ابن حجر في مقدمة كتابه فتح الباري في شرح صحيح البخاري : " وقد رأيت الإمام أبا عبد الله البخاري في جامعه الصحيح قد تصدى للاقتباس من أنوارهما البهية - يعني الكتاب والسنة - تقريرا واستنباطا وكرع من مناهلهما الروية انتزاعا وانتشاطا ورزق بحسن نية السعادة فيما جمع حتى أذعن له المخالف والموافق وتلقى كلامه في الصحيح بالتسليم المطاوع والمفارق"
• وقال الذهبي: " البخاري شيخ الإسلام وإمام الحفاظ. كان رأسًا في الذكاء، رأسا في العلم، ورأسًا في الورع والعبادة".
• قال استاذه اسحاق بن راهويه: " اكتبوا عن هذا الشاب -يعني البخاري - فلو كان في زمن الحسن-البصرى- لاحتاج إليه الناس لمعرفته بالحديث وفقهه"
• قال يحيى بن جعفر:لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل-البخارى-من عمري لفعلت،فإن موتي يكون موت رجل واحد،و موته ذهاب العلم .
فيديو قد يعجبك: