كتب سيرته بيده.. "ظهير الدين بابر" سلطان المسلمين الذي فتح الهند بعد 20 عاماً من طرده
كتبت – سارة عبد الخالق:
أحد الذين حفروا أسماءهم على صفحات المصادر والمراجع التاريخية، وهو واحد من أعظم سلاطين المسلمين في الهند، ومؤسس سلالة مغول الهند التيمورية التي حكمت شبه القارة الهندية لمدة 300 عام قبل خلع آخر سلاطينها من قبل البريطانيين، إنه سلطان المسلمين في الهند المشهور ببغضه للتعصب الديني والتسامح هو (ظهير الدين بابر)، الذي توفي في مثل هذا اليوم في 26 ديسمبر من عام 1530 م.. وفي التقرير التالي يرصد مصراوي لمحة تاريخية وجزءا من سيرته الشخصية.
هو السلطان الأعظم والخاقان المكرم ظهير الدين محمد بابر بادشاه غازي بن عمر شيخ بن أبي سعيد بن محمد بن ميران شاه بن تيمور الكوركاني، ولد عام 1433 م، في مدينة أنديجان، هو الحفيد الرابع لتيمورلنك (مؤسس السلالة التيمورية في وسط آسيا وأول حكام العائلة التيمورية الحاكمة) وقد أطلق عليه الولي منير مرغياني اسم "ظهير الدين محمد"، لكن هذا الاسم كان صعب النطق على عشيرته من الأتراك والمغول، فلذلك أطلقوا عليه اسم "بابر" الذي اشتهر به في التاريخ.
و"كان قد تولى الحكم في سن صغيرة جدا، وقد غزا بابر شمال الهند وأسس إمبراطورية مغول الهند (أو الإمبراطورية التيمورية المغولية)، وترجع نشأته إلى فرغانة في آسيا الوسطى، وينحدر من تيمور (تيمورلنك) عن طريق والده ومن سلالة جنكيز خان عن طريق أمه"، وفقا لما جاء على موقع المكتبة الرقمية العالمية، وكتاب (الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام المسمى بنزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر) لعبد الحي بن فخر الدين الحسيني.
ويتميز ظهير الدين بابر بأنه كتب سيرته مفصلة في كتاب (بابر نامه) أو (مذكرات بابر) أو (واقعات بابري)، فيعتبر هذا المصدر الرئيسي لتفاصيل حياته، حيث قام بنفسه بكتابة مذكراته باللغة الجغتائية التركية، وتمت ترجمته بعد ذلك إلى اللغة الفارسية على يد "عبد الرحيم خان"، وقد تكرر نسخه وإضافة الرسومات التوضيحية إليه في عهد خلفائه من المغول.
وكان بابر قد افتتح الفصل الأول من كتابه قائلا: "في شهر رمضان من سنة 899 هـ وفي الثانية عشرة من عمري صرت ملكاً على فرغانة وهي من الإقليم الخامس من طرف المعمورة تحدها كشغر من الشرق وسمرقند من الغرب وجبال تبرخشان من الجنوب، وكان في شمالها مدن عظيمة".
بداية، يعتبر حكم المغول هو الفترة الذهبية لحكم المسلمين في الهند، حيث امتدت العلوم والثقافة ومختلف مظاهر الحياة الإسلامية، مع امتداد رقعة ومساحة الدولة المسلمة، وفقا لما ذكره الدكتور سيد بن حسين العفاني في كتابه (صلاح الأمة في علو الهمة).
لم يمكث في حكمه سوى عدة شهور، ثم انقض عليه جيرانه وفقد سمرقند وكل أملاكه، حتى نزح عن بلاد ما وراء النهر، وقد تركه أغلب جنوده وأقاربه – وفقا لما جاء في (ازدهار الإسلام في شبه القارة الهندية) لحازم محفوظ -، لكنه لم يصبه اليأس، وظل عاما يلي الآخر حتى استطاع بعد عشرين عاما أن يقدم على فتح الهند.
كان ظهير الدين بابر، "قد زحف من مدينة كابل في أفغانستان، واحتل دلهي التي كان يحكمها السلطان "إبراهيم اللودهي"، وانتصر بجيش تعداده 12 ألف مقاتل من المغول، على جيش "اللودهي" الذي كان تعداده مائة ألف، ودخل دلهي فاتحا، ونودي به ملكا على الهند"، وفقا للمصدر السابق ذكره.
جوانب مختلفة في شخصية ظهير الدين بابر
كان ظهير الدين بابر حنفي المذهب، وعُرف ببغضه للتعصب الديني وبعده عنه، فمارس الهندوس طقوسهم الدينية في حرية تامة، كما كان محبا للفنون الجميلة، وبفضل رعايته وتشجيعه ازدهرت في عهده الكثير من الفنون منها: العمارة والشعر والتصوير والموسيقى، وقد بلغ ولعه وحبه لفن العمارة أنه كان يستخدم آلاف النحاتين والبنائين ليقيموا له منشآته من القصور والمساجد والحمامات والنافورات وخزانات المياه، وفقا لما جاء في (معجم ألقاب السياسيين في التاريخ العربي والإسلامي) لفؤاد صالح السيد.
وكان "بلاطه يضج بعدد كبير من العلماء الأفذاذ والأدباء المتميزين"، وكان "بابر" شاعرا أيضا وكاتبا كبيرا، فقد ترك ديوان شعر باللغة التركية عنوانه "مبين"، بالإضافة إلى عدة قصائد بالفارسية، وتعتبر سيرته السابق ذكرها "بابر نامه" أعظم آثاره الأدبية على الإطلاق، ويعتبر هو أول من أدخل فن توضيح الكتب بالصور إلى الهند، ومذكراته هي خير نموذج على ذلك- وفقا للمصدر السابق ذكره.
-وفاته
وفي يوم 26 ديسمبر من عام 1530 م، توفى ظهير الدين محمد بابر، وكان قد وصية سرية لابنه وخليفته همايون يوصيه فيها بِالعدل في الحكم بين الناس ويعلمه كيفية استمالة قلوب الهنود غير المسلمين، والتي جاء نصها كالتالي:
"بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله
وصيَّة سريَّة من ظهير الدين مُحمَّد بابُر پادشاه غازي إلى الأمير ناصر الدين مُحمَّد همايون، أطال الله بقاءه.
من أجل استقرار المملكة كتبتُ إليك هذه الوصيَّة: أيَ بُني: إنَّ دولة الهند ملئية بِالعقائد المُتباينة، والحمدُ لِله الحق العليّ المُجيد أن وهبك مُلكها، وإنَّهُ لِمن الصواب أن تُقدم بِقلبٍ خالٍ من كُلِّ تعصُّبٍ دينيٍّ على نشر العدل تبعًا لِعقائد كُل جماعة من الناس، وبِوجهٍ خاصٍ أن تمتنع عن ذبح البقر، فإنَّ هذا هو السبيل لامتلاك قُلُوب الشعب في هندُستان، ورعايا مملكتك سيُخلصون لك الإخلاص كُلَّه إن أحسُّوا منك حدبًا وعطفًا. والهياكل وأماكن العبادة لِكُلِّ فرقةٍ دينيَّةٍ تحت حُكمك يجب أن لا تُخرِّبها، وانشر العدل بين النَّاس حتَّى يعيشُ الحاكمُ سعيدًا مع رعاياه، وحتَّى يعيش الرعايا سُعداء مع حاكمهم. وإنَّ انتشار الإسلام ليتحقق بِسلاح العطف والمحبَّة خيرًا مما يتحقق بِسلاح الضغط والاضطهاد. تجاهل النزاع والتخاصم بين الشيعة والسُنَّة، ففي هذا منبتُ الضعف في الإسلام، وضُمَّ الرعايا من مُختلف العقائد حول الأُسس الأربعة بحيثُ يُصبح كيان الدولة مُحصنًا ضدَّ عوامل الضعف المُختلفة. وتذكَّر أعمال حضرة تيمور صاحب القران والوفاق حتَّى تبلغ الرُشد في أُمُور الحُكم، وليس علينا إلَّا النُصح.
في غُرَّة جُمادى الأولى سنة 935 هـ."
وقد عُرفت هذه الوصية باسم "وصية نامه مخفي"، وأصلها مكتوب بالفارسية، ومحفوظ في المكتبة الحميدية في بوبال، وقد نشرت لأول مرة في جريدة لقرن العشرين التي كانت تصدر في مدينة الله آباد، وفقا لما جاء في (تاريخ دولة أباطرة المغول الإسلامية في الهند) لجمال الدين الشيال.
فيديو قد يعجبك: