لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

عندما صلّى مسيحيو نجران في مسجد النبي.. أول حوار إسلامي - مسيحي في التاريخ

05:41 م الجمعة 31 أغسطس 2018

عندما صلّى مسيحيو نجران في مسجد النبي.. أول حوار

كتب - هاني ضوه:

من سمات عظمة الإسلام وانتشاره بالحسنى دون حد السيف الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وضمان حرية الاعتقاد وأداء الشعائر الدينية. وفي التقرير التالي يرصد مصراوي واقعة إقامة النبي- صلى الله عليه وسلم- أول حوار إسلامي مسيحي في التاريخ، وصلاة مسيحيي نجران في مسجده الشريف، وطلبهم حكمًا مسلمًا بينهم.

لم تكن الدعوة للإسلام بالحسنى والموعظة الحسنة مجرد شعارات، بل كانت واقعًا عمليًا طبقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عدة مواقف، ولعل أبرزها في عام الوفود سنة 9 من الهجرة النبوية المشرفة عندما استقبل وفد مسيحيي نجران في يوم 20 من ذي الحجة، حيث دار أول حوار إسلامي- مسيحي اتسم بالرقي والاحترام.

كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أرسل رسالة إلى أسقف المسيحيين في نجران يدعوهم إلى الإسلام، فأرسلوا وفدًا من 60 رجلًا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة، حيث اجتمعوا في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودارت نقاشات بينهم في عدة مسائل عقائدية.

كان اللافت للنظر رقي المعاملة واحترام الآخر بين الطرفين حتى إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما حان وقت صلاة وفد نجران المسيحي سمح لهم بأداء صلاتهم في المسجد النبوي، وهو الأمر الذي ذكره الكثير من أهل السيرة من بينهم الإمام ابن كثير في تفسيره للقرآن الكريم.

يقول ابن كثير في كتابه "تفسير القرآن العظيم": [قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلم المدينة، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِدَهُ حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ، عَلَيْهِمْ ثياب الحبرات جُبَبٌ وأردية في جَمَالِ رِجَالِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: يقول مَنْ رَآهُمْ مِنَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: مَا رَأَيْنَا بَعْدَهَمْ وَفْدًا مِثْلَهُمْ، وَقَدْ حَانَتْ صَلَاتُهُمْ فَقَامُوا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم: «دَعُوهُمْ»، فَصَلَّوْا إِلَى الْمَشْرِقِ] اهـ.

وذكر ذلك أيضًا ابن قيم الجوزية في كتابه "أحكام أهل الذمة " فقال: [وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَنْزَلَ وَفْدَ نَصَارَى نَجْرَانَ فِي مَسْجِدِهِ وَحَانَتْ صَلَاتُهُمْ فَصَلوا فِيهِ وَذَلِكَ عَامَ الْوُفُودِ] اهـ.

وقال أيضًا في كتابه "زاد المعاد في هدي خير العباد": [فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ نَجْرَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَفْدُ نَصَارَى نَجْرَانَ بِالْمَدِينَةِ، فَحَدَّثَنِي محمد بن جعفر بن الزبير، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ دَخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِدَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، فَحَانَتْ صَلَاتُهُمْ، فَقَامُوا يُصَلُّونَ فِي مَسْجِدِهِ، فَأَرَادَ النَّاسُ مَنْعَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «دَعُوهُمْ»، فَاسْتَقْبَلُوا الْمَشْرِقَ، فَصَلَّوْا صَلَاتَهُمْ] اهـ.

بعد أن انتهت النقاشات، ورغم عدم اقتناع الوفد بدعوة الإسلام حينها فإنهم قد تلمّسوا ضمان النبي صلى الله عليه وآله سلم لحريتهم في الاعتقاد وأداء شعائرهم الدينية فاتفقوا في النهاية على أداء الجزية، وعاهدهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الحماية والأمان وضمان الحقوق وحرية العبادة.

فكان أول حوار إسلامي – مسيحي في التاريخ في جو سادته المودة وحرية العبادة وقبول الآخر وحب الخير له، وفي نهاية الحوار ورغم أنهم لم يسلموا أو يقتنعوا بدعوة الإسلام ودعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل انصرافهم، ولم يمنعهم عدم اتباعهم للإسلام أن يطلبوا من النبي صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله أن يرسل معهم أحد صحابته الأمناء الكرام ليكون حكمًا بينهم إذا اختلفوا، فقال عليه الصلاة والسلام وعلى آله "لأبعثن معكم رجلاً أميناً حق أمين، فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قم يا أبا عبيدة بن الجراح فلما قام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أمين هذه الأمة".

وفي طريق عودة وفد مسيحيي نجران إلى موطنهم أسلم اثنان منهم، ثم بدأ الإسلام ينتشر بينهم تدريجيًا حتى أسلم عدد كبير منهم.

* مصادر:

كتاب "تفسير القرآن العظيم" – الإمام ابن كثير.

كتاب "السيرة النبوية" – ابن هشام.

كتاب "أحكام أهل الذمة" و"زاد المعاد في هدي خير العباد" - ابن قيم الجوزية.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان