بعد أن أنكره "أحمد عكاشة".. عذاب القبر حقيقة أم خيال؟ وهل أنكره الشعراوي أيضًا؟
كتبت – آمال سامي:
أثار الدكتور أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسي الشهير، ورئيس الجمعية المصرية للطب النفسي، الجدل بتصريحاته بشأن عدم وجود عذاب قبر، وأن الموت أشبه بنوم طويل يشعر به الإنسان كما يشعر في نومه.
وقال عكاشة، في مقابلة تليفزيونية مع الإعلامي وائل الإبراشي، على القناة المصرية الأولى، أمس الثلاثاء، إن هناك من لديهم فزع من الموت، ويعتقدون في عذاب القبر وهو غير موجود.. وفي السطور التالية يرصد مصراوي الآراء المتفاوتة حول حقيقة وشرعية عذاب القبر.
في البداية، تؤكد دار الإفتاء المصرية أن الإيمان بعذاب القبر يدخل ضمن الإيمان بالغيب، وهي أول صفات المؤمنين، وأنه ذكر في القرآن الكريم.
وذكرت دار الإفتاء، في فتوى رسمية لها منشورة على موقعها الإلكتروني بتاريخ 26 يناير 2006، أن عذاب القبر ونعيمه من الأمور الغيبية التي لا تُعلم إلا عن طريق الوحي، والإيمان بالغيب هي أول صفة للمتقين جاءت في القرآن الكريم؛ وذلك في قوله تعالى: "هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ"، وأن عذاب القبر مثبوت في الأحاديث الصحيحة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي أُمِرنا بالأخذ بها وتصديقها.
كما قال تعالى: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا"، وأكدت الإفتاء في فتواها أن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أن كل ما يصدر عنه صلى الله عليه وآله وسلم هو وحيٌ يجب الإيمان به؛ فقال: "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى".
أما أدلة وجود عذاب القبر في القرآن الكريم، بحسب الإفتاء، فهي تتمثل في قوله تعالى: "النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ"، فتقول دار الإفتاء: إن عرضهم على النار غدوًّا وعشيًّا هو ما يلقونه في البرزخ من عذاب القبر قبل يوم الساعة، وبعدها يُدخَلُون أشد العذاب.
وكذلك في قوله تعالى: "وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ"، وذلك؛ لأن قبض الملائكة لأرواحهم عند الوفاة يليها عذاب مباشر؛ بدليل قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ﴾، وهذا يكون قبل القيامة، أي: في القبر، "وليس في الإيمان بالغيب ما يحيله العقل، ولكن فيه ما يحار فيه العقل".
وذكرت دار الإفتاء في فتوى أخرى منشورة بتاريخ 4 أبريل 2005، بعض أدلة عذاب القبر من السنة النبوية ومنها قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ" رواه الترمذي؛ فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ" دليل على أن عذاب القبر ثابت.
وروى زِرُّ بن حُبَيش عن علي رضي الله عنه قال: "كنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت هذه السورة: "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ • حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ • كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ".. يعني: في القبور".
وأخرج الشيخان وابن أبي شيبة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "نَعَمْ، إِنَّهُمْ لَيُعَذَّبُونَ في قُبُورِهِمْ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ".
وأخرج الشيخان وابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ على قبرين، فقال: "إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ"، ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ ثُمَّ غَرَزَ في كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: "لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا".
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: "يُضَيَّق على الكافر قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، وهو المعيشة الضنك"، وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أتدرون ما المعيشة الضنك»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «عذاب الكافر في القبر، والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينًا، أتدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية، لكل حية تسعة أرؤس ينفخن في جسمه ويلسعنه ويخدشنه إلى يوم القيامة، ويحشر في قبره إلى موقفه أعمى».
هل أنكر الشعراوي عذاب القبر؟
نشرت مواقع التواصل الاجتماعي أحد الفيديوهات السابقة للشيخ الشعراوي ذكر ناشروه أنه دليل على إنكار من الشعراوي لعذاب القبر، وهو ما نقلته وسائل الإعلام، فهل أنكر الشعراوي بالفعل عذاب القبر؟
في الفيديو المقصود قال الشعراوي نصًا: القبر ليس فيه عذاب لأن لا عذاب إلا بعد حساب، وهو ما جعل البعض يعتبرونه إنكارًا لعذاب القبر، إلا أن الشعراوي قال في بقية حديثه إن ما يحدث للمؤمن في القبر هو عرض لمنازل الآخرة فهو عذاب أن يرى الإنسان مثواه ومكانه في الآخرة وهو يعذب، وقال أن ذلك يتمثل في قوله تعالى: " النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا..."، وأكد الشعراوي أن الفرق بين عذاب الآخرة وعذاب القبر أن في القبر عرض، وفي الآخرة إدخال إلى هذا العذاب.
الفيديو السابق ليس وحده ما يدل على رأي الشعراوي في عذاب القبر، وليس كما وضحنا إنكارًا لعذاب القبر، وقد تعرض الشعراوي لقضية عذاب القبر في أكثر من موضع، ففي تفسيره لنفس الآية السابقة تحدث عن عذاب القبر قائلًا: إن الأزمنة التي يعيشها الإنسان ثلاث: الدنيا، وحياة البرزخ بعد الموت، والبعث في الآخرة، فقوله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا.. يدل على أن في القبر تعرض عليهم النار أما في الآخرة فسوف يدخلونها، وعرف الشعراوي عذاب القبر بأنه: "عرض للعذاب الذي ينتظره صاحبه فيعيش من رؤية ما ينتظره من عذاب في رعب".
وقال الشعراوي إن العذاب قسمان، عرض بما يعذب به الإنسان، وهو ما يحدث في القبر، ودخول في العذاب، وهو ما يحدث يوم القيامة.
وفي حوار تليفزيوني على القناة الأولى المصرية سئل الشعراوي على عذاب القبر والرد على من ينكرونه، فقال الشعراوي: "من قال إن سؤال القبر أو عذاب القبر مشهدي؟ ده أمر غيبي لا حجة فيه إلا بما أخبر به الله تعالى ورسوله.. وإيمان الأمر الغيبي السماع سواء فهمه الإنسان أو لا".
وطالب الشعراوي ممن ينكرون عذاب القبر أن يفسروا قوله تعالى: "النار يعرضون عليها غدوا وعشيا.." فالعرض في الغدو والعشي لا يمكن أن يكون في الدنيا، ولم يحدث، فهو بالتأكيد في القبر، أما في يوم القيامة فهو دخول في العذاب.
ما هو حكم الشرع فيمن ينكر عذاب القبر؟
أكدت دار الإفتاء في فتاواها السابقة أن عذاب القبر ثابت بالقرآن والسنة والإجماع، وأنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينكر عذاب القبر ونعيمه.. لكن إذا أنكر المسلم عذاب القبر فهل يعد كافرًا؟
وفي فتوى سابقة للدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، أكد أن من ينكر عذاب القبر هو فاسد وليس كافر، حيث سئل في برنامجه "والله أعلم" على قناة سي بي سي الفضائية على حكم من ينكر عذاب القبر وهل هو كافر؟ فأوضح جمعة أن هناك سبعة أصول في العقيدة الإسلامية من ينكرها فهو كافر، ومن ينكر غيرها فهو فاسد، وقال إن الأصول السبعة هي نفسها أركان الإيمان السبعة، ومنها وحدانية الله، ونبوة النبي واليوم الآخر، وأكد جمعة أن من ينكر غيرها فاسد لا يقول سوى هذيان، فعذاب القبر ليس من أركان الإيمان وإنما هو خبر، "أنكرتَه ليه؟ مستنكرا: أنه لم يذهب إلى القبر ليعلم انه موجود أم لا، فما دام لم يحدث هذا "بتشغل الناس ليه بهذا التفكير الأعوج؟!.
فيديو قد يعجبك: