لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مصراوى يرصد.. "فتحة" تقود الفقراء إلى الموت فى البدرشين

12:16 م السبت 18 مارس 2017

معايشة- علياء رفعت:

خلال شهر فبراير وحده، فقد 61 مواطنا أرواحهم، فوق قضبان السكك الحديدية، أثناء عبورهم من أماكن غير معدة للعبور، وفقا لتصريحات اللواء مدحت شوشة رئيس هيئة السكة الحديد.

ليست المزلقانات وحدها هى التى تقتل المصريين، فهناك عشرات الفتحات التى صنعها مواطنون بأنفسهم فى الأسوار التى تفصل الطرق عن السكة الحديد. عادة يلجأون إلى ذلك لاختصار المسافات، لكن النتيجة أحيانا أنهم يختصرون حياتهم. وحسب تصريحات لهانى ضاحى وزير النقل الأسبق، فإن عدد المعابر غير الشرعية فى 23 محافظة، يبلغ نحو 4000 معبر "فتحة".

شرقٌ وغربٌ، هكذا قسّم الكوبري، الذي أُنشئ قبل عامين، مدينة البدرشين، فأصبح الجانبان أقرب إلى مدينتين منفصلتين، يعانى الأهالى فى الانتقال بينهما. قبل إنشاء الكوبري كانت المدينة تشتهر بكثرة ضحايا المزلقانات. وأطلق السكان نِداءات واستغاثات للبحث عن حل لتلك المزلقانات، واكتفت الأجهزة المعنية بإغلاق بعضها وإنشاء ذلك الكوبري.

 سكان المدينة بين 3 خيارات: عبور فتحة تهددهم بالموت تحت عجلات قطار.. أو مشاية التحرش.. أو توكتوك بـ "10 جنيهات رايح جاى"

بالتزامن مع إنشاء الكوبري، أقيم ما يُطلق عليه الأهلي "مشاية"، يستخدمها المواطنون للانتقال بين شطرى المدينة. "المشاية" هى ممشى تصاعدي يستوي في منتصفه ثم يعود ليهبط تدريجيًا كالمنحدر دون سلالم، بينما يتخذ شكل حرف الـ(S) ويبلغ طوله ما يزيد عن 300 متر، حسب أهالي المنطقة. طول المشاية وصعوبة عبورها كانا السبب الذي دفع الأهالي لهدم سور السكة الحديد واصطناع فتحة صغيرة تكفي لعبور شخصين على الأكثر، ليمروا فوق قضبان القطار مُتنقلين بين جانبي المدينة. "مصراوي" انتقل إلى البدرشين، عايش الأهالي، ورصد "فتحة الموت" التي تحصد أرواحهم.

فور دخولك مدينة "البدرشين" ستجد نفسك في إحدى جُزئيها الشرقي أو الغربي، حسب المكان الذي قدمت منه. ولكنك إن أردت التجول أو شراء بعض الاحتياجات اليومية فعليك أن تحدد وجهتك أولًا لتعرف أى وسيلةٍ ستسلك للتنقل بين جُزئي المدينة؛ إما المشاية التي يصعب صعودها وهبوطها، أو "توكتوك" ينقلك من الشرق للغرب أو العكس مقابل 5 جنيهات، أو العبور من "فتحة الموت" التى لن يكلفك اجتيازها شيئًا إن اتخذت الحذر والحيطة.

كانت المشاية هى الاختيار، لاختبار ما ينفر منه أهالي المنطقة. بالقرب من بعض محال المفروشات، وموقف الميكروباصات التي تنقلك خارج المدينة؛ توجد المشاية. الطريق في الصعود لعبورها يشبه تسلق أحد الجبال، تخلو تمامًا من الأهالي الذين يرفضون استخدامها. بعد مرور 5 دقائق من الصعود استوى الطريق ليقابلنا من الطرف الآخر في المشاية مجموعة مكونة من 5 تلميذات يعبرن من الجهة الغربية إلى الشرقية بعد انتهاء يومٍ دراسي.

"مقدرش أمشي عليها أو أعديها لوحدي، حتى لو الضهر"، قالتها إحدى الفتيات موضحة أن سبب رفضها أن المشاية خالية تمامًا من الناس، وبأن والدتها أنذرتها أكثر من مرة ألا تعبرها وحدها أبدًا نظرًا لحوادث التحرش التي تنتشر فوقها بكثرة.

طريق الهبوط من المشاية للجهة الغربية من المدينة كان أشبه بالتزلج، فلابد أن تتحلى باتزانٍ وتتمسك جيدًا حتى لا تتدحرج، وهو ما أكده أحد بائعي الخضروات بالقرب منها قائلًا "حتى البهايم متقدرش تطلعها ولا تنزل منها، حِسنا اتنبح عشان يعملولنا سِلم عدل نطلع وننزل من عليه ومفيش فايدة".

15 دقيقة، هى المدة التي استغرقناها للانتقال من الجهة الشرقية إلى الغربية باستخدام المشاية، لنعود بعدها أدراجنا مرة أخرى في طريقنا لتكرار التجربة ولكن هذه المرة من خلال "فتحة الموت" كما يفعل أغلب أهالي المدينة.

أسفل كوبري البدرشين الشهير يقع شريط القطار الذي يحيطه جِدار يفصله عن موقف الميكروباصات، أزال الأهالى أحد حوائط هذا الجدار، واصطنعوا فتحة في الجدار المقابل يعبرون من خلالها للجهة الغربية.

بالقرب من الشريط الحديدي تجمع عدد كبير من أهالي المنطقة في انتظار عبور القطار الذي انطلقت صافرته لتعلن عن قدومه. أغلب من كان بانتظار العبور من "فتحة الموت" سيدات عجائز، وحوامل، بالإضافة إلى بعض الأطفال العائدين من مدراسهم للمنازل والشباب الذين يجرون خلفهم عجلات الخضراوت.

أمام "فتحة الموت" من الناحية الغربية يقع محل "محمد شغلان" للأدوات المنزلية. قبل 20 سنة افتتح شعلان محله بتلك المنطقة ليتكسب منه، فصار واحدًا من أهلها يحفظ كل العابرين عن ظهر قلب ويُلقى التحية على بعضهم بين الحين والآخر.

إحصاءات: 61 مواطنا فقدوا حياتهم فوق القضبان خلال شهر واحد.. و4000 معبر غير شرعى فى 23 محافظة

الرجل الستيني كان شاهدًا على ثَقب الجِدار وصُنع الفتحة منذ يومها الأول "الأهالي قرروا يعملوها عشان يسهلوا على نفسهم بدل طلوع المشاية اللي هتجيب أجلنا دي"، هكذا برر شعلان وجود الفتحة التي قامت إدارة المدينة -حسبه- بسدها أكثر من مرة عقب الحوادث المتكررة، ليقوم الأهالي بفتحها مرة أخرى "الحكومة مش حاسة بينا ومفيش راجل عجوز ولا سِت حامل هيقدروا يطلعوا المشاية دي، فبيعدوا من هنا".

ورغم ذلك فإن شعلان يؤكد أنهم خاطبوا جهاز المدينة ونائب مجلس الشعب عنها أكثر من مرة لرغبتهم في سلم مُريح يجنبهم عبور شريط القطار وتكرار فواجع الموت أثناء العبور، إلا أن النتيجة دائمًا تأتيهم بالرفض حتى بعدما تقدم أحد أهالي المنطقة الميسورين بتكفله ببناء ذلك السُلم الذي يصل الجهتين على أن تعطيه الجهات المعنية الموافقات فقط ليبدأ في التمويل والبناء "رفضوا الطلب ده كمان ومبقاش قدامنا حل غير الفتحة، الناس صحتها على قدها والستات بتخاف من المشاية بسبب حوادث التحرش اللي بتحصل عليها لأن مفيش ناس بتستخدمها لكن السِلم هيبقى فيه حس وونس".

"بتحل أزمة عملتها الحكومة" كلمات قليلة لخص بها شعلان الوضع مُشيرًا إلى أن المهندسين اللذين قَدِموا للمدينة لبناء الكوبري تحدثوا للأهالي المعترضين وأخبروهم بعدم رضاهم عن تصميمه أو تصميم المشاية لكنهم في النهاية "عبد المأمور".

لم يختلف رأى "أبانوب" عن شعلان، رغم كونه شابًا في العقد الثاني من العمر فإنه لا يقوي على صعود المشاية والهبوط منها "بنهج وكأني طالع جبل، فبعدي من الفتحة أسهل". حال أبانوب هو ذاته حال الكثيرين من أبناء البدرشين الذين لا يرغبون سوى بسُلم مُريح ينقذهم من الموت الذي يهددهم في أى لحظة لدى عبورهم من تلك الفتحة.

"مش عارف ليه المسؤولين مش عاوزين يعملوا السلم؟، وفي الآخر يرجعوا يقولوا سدينا الفتحة والأهالي هما اللي فتحوها تاني، محدش هيحب يروح للموت برجليه" تساؤلات كثيرة تدور برأس الشاب طوال الوقت لكنه لا يجد لها أى إجاباتٍ تُذكر سوى "سايبنا نخبط راسنا في الحيط، أو نموت". ذلك تحديدًا هو ما دفع الشاب للسعى لشراء شقة خارج مُحيط البدرشين لينتقل إليها لدى زواجه رغم بُعدها عن المنطقة التي نشأ وتربى بها "معنديش استعداد اصحى على خبر موت ولادي على شريط القطر وهما بيعدوا منها".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان