بالصور والفيديو - تراتيل الحزن والغضب أمام الكاتدرائية
كتبت - شروق غنيم ورنا الجميعي:
مازالت الأجواء مشحونة، غضب يستقر داخل النفوس، وحناجر تهتف بحنق شديد، مئات من المصريين قدموا أمام الكنيسة المرقسية دون اتفاق مُسبق، جميعهم سمعوا عن الحادث المأساوي، لبّوا نداء قلوبهم، داعمين للضحايا، يتساءل بعضهم عن كيفية التبرع بالدم بمستشفى الدمرداش، وآخرين يُحاولون فهم ما يجري، فيما تجمّعت حشود كثيرة هاتفين "يا نجيب حقهم.. يا نموت زيهم".
منذ 42 عامًا، تفترش "أم كريم"، بائعة الخضار، بالقرب من الكاتدرائية ببضاعتها. بدأت يومها الأحد باعتيادية، قدمت منذ الثامنة صباحًا تنتظر رزقها، لكن في تمام العاشرة إلا ربع، رجّ صوت قوي المكان "عرفنا إنها قنبلة". تهرول السيدة الخمسينية صوب الكنيسة، تفرغ فاها من هول المنظر، الغبار يكسو المكان، أصوات الصراخ تصم الأذن، أشلاء سيدات مُخضبة بالدماء.
شرعت أم كريم في مساعدة الضحايا "كانت بهدلة وخراب ميرضيش ربنا"، برفقة بائعين آخرين والجيران، "بقينا نشيل الناس وننقلهم العربيات" لكن بعد قدوم عربات الإسعاف وقوات الأمن "الحكومة قالت لنا إحنا هنتصرف".
عادت السيدة أدراجها مرة أخرى، لم تحتمل المشاهد التي مّرت عليها بالصباح، لكن ذلك لم يمنعها من القدوم مرة أخرى بالسادسة مساءً "قولت آجي أطمن"، فيما يملأ المكان مئات من البشر يرتلون الصلوات ذاكرين "مديح أبونا باتون"، تتمتم أم كريم معهم "ربنا مش هيسيب حقهم".
يلتقط منها كمال نصيف أطراف الحديث، "ربنا اللي بيخلَّص. قبل أربعين كنيسة القديسين، مبارك مكنش قاعد فيها". بدأ نصيف يومه في التاسعة صباحًا، ومن شُرفة منزله التي تطل على الكنيسة سمع دويّ القنبلة "الانفجار خلخلني وأنا واقف مكاني".
تسمّر صاحب الأربعين عامًا في مكانه، فيما طالع هاتفه واتصل بشخص يعمل بالقربان بالكنيسة البطرسية، "عرفت الخبر في ساعتها إنها قنبلة". تساءل نصيف بعجالة "في حد مات؟" جاءه الرد من صديقه وهو يتمالك دموعه "مقدرش أعّد لك العدد اللي مات". قادته على الفور قدماه إلى محيط الكنيسة وسط مئات آخرين.
التقط أكرم سامي قطعة من جسد الكنيسة المتناثر بالشارع جراء التفجير، كتب عليها بطبشور أبيض "يا رب.. 1 كيهك"، وقف مُصدّرًا إياها على مرأى الجميع بجانب سور الكنيسة، ورفعها لمدة ساعات "دايمًا شهر كيهك شاهد على لحظات الألم والدم في السنة القبطية".
عِلم سامي ما جرى من خلال والدته. إذ كان ينعم بإجازة من العمل بمناسبة المولد النبوي "كنت نايم ومش داري بالدنيا". جاءه الخبر عن طريق الهاتف فنزل مُسرعًا إلى مستشفى الدمرداش للتبرع بالدم. بعدها توجّه أمام الكنيسة "عشان أساعد إخواتي".
يعتبر الشاب الثلاثيني أن "الكنيسة أمي، ده ضمن مسمياتها عندنا". وذلك ما دفعه للاحتفاظ بقطعة من الحجر المتناثر، عيناه تغيب وراء الدموع "النهاردة لقيت أمي متكسّرة". فما كان منه سوى "خدت حتة منها تبقى معايا في البيت".
تواجدت سيارتين اسعاف، وعدد من فريق الهلال الأحمر المصري، كذلك انتشرت قوات الأمن أمام الكنيسة المرقسية، فيما كان أبانوب سامح يتسلق الأسوار ليُطلّ على داخل الكنيسة المتهدّم، فعل مثل كثيرين من المتواجدين ليروا الأوضاع، فيما ظهرت أعداد المتسلقين كصُلبان على الأسوار، قدم سامح من شبرا برفقة ثلاثة من أصدقائه، لم يمس الحادث أقاربه لكنه قرر الحضور إلى الموقع حتى يتسنى له معايشة المَصاب عن قُرب.
خلا الشارع من السيارات وامتلأ بكتل بشرية تناثرت بأرجاء المكان، فيما تجمّع بعض الحشود كتظاهرات مُتفرقة غاضبة، وعلى طرف إحداها، انضم "جرجس" –اسم مستعار- إلى المتظاهرين، سمع عن الحادث وقرر النزول، ظلّ الرجل الأربعيني لثلاث ساعات يهتف ضمن المظاهرة، مُعترضًا على ما حدث، "أنا حزين مش عشان الأقباط بس دي مصر كلها مستهدفة"، مُشيرًا إلى حادث الهرم الذي وقع منذ يومين، يرى أن موعد الانفجار مُتزامن مع المولد النبوي وقداس الأحد"هما عاوزين ينكدوا علينا".
لم يكن نزول جرجس أول مرة لمثل هذه النوائب، تكرر ذلك مع حادث القديسين، حيث اشترك في التظاهر أمام ماسبيرو "نفس الأجواء بتتكرر"، بصوت بُحّ من كثرة الهتافات قال جرجس إنها مناشدة لأجل الشهداء، "كله جاي هنا يشارك في الحزن مش يتظاهر".
فيديو قد يعجبك: