لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مشاهد من عزاء البطرسية.. "دة فرح في السما"

11:03 م الثلاثاء 13 ديسمبر 2016

عزاء البطرسية

كتبت - شروق غنيم ودعاء الفولي:

خطوات قليلة فصلت منى عن قاعة السيدات حيث رأت الموت. داخل الكنيسة البطرسية جلست السيدة الأربعينية ترتعش قليلا، لا يجف الدمع في عينيها، سرادق عزاء ضحايا التفجير بدأ لتوه، احتضنت منى أحد أبنائها، وجهها قبالة مكان الصلاة المعبأ برائحة الدماء، القس يتلو آيات من الإنجيل، فيما لا تسمعه إلا بأذن واحدة، بعدما أصاب الأخرى الصمم نتيجة الانفجار.

مساء اليوم الثلاثاء، أقيم عزاء بالكنيسة البطرسية لضحايا التفجير وتواجدت قوات الأمن بشكل مُكثّف على الباب الرئيسي لـ"البطرسية" في حي العباسية، وذلك بعد يومين من الحادث الذي حصد 25 روحًا، وأصيب 55 شخصًا.

اتشحت إحدى قاعات الكنيسة بالسواد، سيدات اتكئن على بعضهن، قدمن المواساة لأسر الشهداء الموجودين، فيما يعلو صوت البكاء مع كلمات القس.

بين الصامتين كانت مونيكا ذات التسعة عشر عامًا، الكنيسة البطرسية بيت عبادتها الدائم "باجي هنا من وانا عندي ٣ سنين". في ساحتها اعتادت الخدمة مع صديقاتها الراحلات، منهن فيرينا عماد، التي تصغر مونيكا بعام "اخوها بيحكيلي انها كانت عاملة شعرها وضوافرها يوم الحادثة .. ولا كأنها كانت رايحة فرحها".

خفض القس صوته قليلا بينما يقول العظة، حكى عن يقينه من سعادة المتوفين، قال لذويهم إن أرواحهم ستظل هنا، فارتفعت أعين بعض الموجودين للسماء، بينما تحسست منى قدمها اليسرى التي مسها الجرح، أخذت تبتسم على استحياء للجالسة بجانبها، قبل أن تقول "انا الصف اللي قدامي واللي ورايا وجنبي مات منه ناس.. أكيد أنا أقل منهم عشان ربنا مختارنيش".

صورة 1

ستارة احتضنت العذراء منقوش بها جملة "السلام لكِ يا مريم"، حجبت مكان الحادث عن مشهد العزاء. كرسي استند على الستار تجلس عليه سيدة برداء أسود قاتم، يعلوه الحجاب.

قدمت أم محمد من حيّ الجمالية القريب من الكنيسة للمشاركة بالعزاء رغم أنها لا تعلم أحد بالداخل. انتابها القلق في البداية من احتمالية عدم المرور، لكنها حسمت أمرها في النهاية واصطحبت ابنتها معها.

يوم الأحد كانت إجازتها من العمل القريب من مكان الحادث لمناسبة المولد النبوي، أوقدت التلفاز بالصدفة "شوفت الحادثة وكنت بتنطط في مكاني" من هول المنظر.

سمع زوجها نحيبها، هرول لمعرفة ما يجري، فعلم أن القدر أنقذه من حادث مأساوي.
تحكي السيدة الأربعينية أن زوجها ناصر، الذي يعمل كهربائي هاتفته الشركة لتصليح عطل بالكنيسة البطرسية يوم الأحد، لكنه اعتذر وآثر المكوث بالمنزل "ربنا نجده".

كلمات "العظة" تدفقت من سماعة بجانب زوجة الكهربائي، تسمع القسّ يتحدث عن مكان أفضل للشهداء فتمتمت "آه والله"، وحينما شرع في مدحهم رددت "يا ريتني كنت معاهم".

صورة 2

١٤ عاما لم تتخلف فيهم منى عن الكنيسة البطرسية، كانت تعلم الأطفال، لكن بعد موت صديقاتها صاروا جميعهن صغارها الراحلات.

الفقد مازال مستمرا في عزاء الضحايا. كلمات مترامية لدالفي العزاء، يستقبلها صف من الرجال ا أمام قاعة الكنيسة. من الصباح الباكر تعمل مونيكا ضمن خلية نحل لترتيب البطرسية، غير أن تلك المرة لم تكن الاولى لها بعد الحادث، فلا تنسى عيناها مشهد الدمار صبيحة الاثنين، أما أنفها فاحتفظت برائحة الدماء إلى الآن، حتى أنها شبه ممتنعة عن الطعام.

داخل قاعة العزاء حاوطت ٣ فتيات ابنة إنجيلا أنور ، احدى ضحايا الانفجار. عقارب الساعة كانت تشير للثانية عصرا عندما علمت أسرة أنجيلا أن روحها صعدت لبارئها، بعدما مكثت يومًا بالمستشفى جراء إصابتها الخطيرة.

ترددت أنجيلا على "البطرسية" بشكل دائم، ويوم الأحد ذهبت للقدّاس بمفردها، يقول قريبها بيتر إدوارد. وحينما علموا بالحادث توجهوا إلى الكنيسة للبحث عنها "فضلنا للساعة 2 مش قادرين نتعرف عليها". يصمت ويفكر ثم يُضيف "واحدة كانت المفروض نازلة تصلي وترجع بيتها، بس مرجعتش".

حوالي مائة شاب من خادمي الكنيسة جهزوا لساعات العزاء الثقيلة، بعضهم يقف على أبوابها يفتش الداخلين بهدوء، آخرون يمرون بأكواب الشاي والقهوة، بينما تحرص الفتيات على ألا يقف أحد في السرادق احتراما له، ويرشد البعض الناس لطريق الخروج.

لا مهرب مما عايشته منى، جزء من روحها عالق بين ثنايا قاعة الانفجار. الكنيسة ملجأها الابدي، ستحتمي بأسوارها كلما ضاقت الدنيا، لن تبرح الصلاة ففيها الشفاء والطمأنينة. فقط ستذكر الراحلات دائما، متضرعة الى الله ألا تشهد عزاء آخرا فيه شيء من الغدر.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان