الكعب العالي الذي انتعله الرجال بداية قبل تحوله إلى موضة نسائية هل انتهى عصره؟
لندن (بي بي سي)
في يناير عام 2014، عرض مصمم الأزياء الراحل كارل لاغرفيلد مجموعة من أرقى الأزياء في نادي كامبون الفاخر. وتهادت عارضات الأزياء على الدرج الطويل الملتوي على وقع أنغام الآلات الوترية، وكل منهن ترتدي ابتكارات لاغرفيلد من القماش الرقيق المرصع بالجواهر أو النسيج الصوفي الخشن أو الأورغنزا.
لكن ما يميز هذه المجموعة أن كل عارضة كانت تنتعل حذاء رياضيا خفيفا يتماشى مع لون قماش الثوب الذي ترتديه، ويبلغ سعر كل حذاء منها نحو ثلاثة آلاف يورو، واستغرق تصنيعه 30 ساعة. وبينما كان اختيار الأحذية مفاجئا، فإنه كان يعكس أيضا تغيرا جذريا في عالم الموضة.
ولاقى الحذاء الرياضي المطاطي ترحيبا في عالم الأناقة الراقي والبراق، ولم تعد ثمة حاجة لخلعه قبل الدخول إلى مقر العمل أو الحفل، فقد أصبح حذاء فاخرا عصريا تبنته كبريات بيوت الأزياء مثل شانيل.
ومنذ ظهورها في عرض شانيل، أصبحت الأحذية الرياضية أكثر غرابة وضخامة وأعلى سعرا. وكلما كان الحذاء المطاطي أكثر لفتا للأنظار وغرابة في التصميم، زاد الإقبال عليه. وتصدرت الأحذية المطاطية قائمة البحث على منصة "ليست" للموضة والأزياء في أواخر عام 2018.
وبينما كانت شركات الملابس والأحذية الرياضية الكبرى مثل نايكي وأديداس أول من أضاف لمسات جذابة للأحذية المطاطية، فإن بيوت الأزياء الفاخرة سرعان ما اكتشفت إمكانية استغلالها كعنصر جمالي مكملا للأناقة، وهذه الشركات لديها خبرة عريضة في ابتكار الإكسسوارات التي تستهوي أفئدة عشاق الموضة.
وانتشرت على موقع انستجرام صور نجمات الموضة، مثل جيجي وبيلا حديد وهيلي بيبر، وهن يرتدين الأحذية الرياضية الضخمة مع فساتين السهرة وسراويل الجينز والقمصان. وزاد الطلب على حذائي لويس فيتون وبالنسياغا، وتتراوح أسعارهما ما بين 600 و1000 جنيه إسترليني للحذاء الواحد.
وانتعلت سيرينا ويليامز حذاء مطاطيا في حفل زفاف الأمير هاري وميغان ميركل مع فستان السهرة، وحتى مع فستان زفافها. إذ تغيرت الأذواق في العقود الأخيرة، وأصبحت الأحذية المطاطية تصلح كأحذية رسمية، ولم تعد ممنوعة في أماكن العمل.
وتقول مورغان لي كير، من منصة "ليست"، إن الأحذية ذات الكعب العالي لم تعد تروق للشباب من أبناء جيل الألفية والجيل الذي يسبقه، لأنها ترتبط بفكرة إلزام النساء بانتعال الكعب العالي في أماكن العمل التي تنطوي على تمييز ضد المرأة".
وتقول لوسيا سافي، أمينة متحف "فيكتوريا وألبرت"، إن الأحذية المطاطية الفاخرة أصبحت من سمات العصر الحالي، وتمثل خطوة على طريق التحرر من القيود على الهندام".
الجنس والقوة
ربما زاد الإقبال على الأحذية المطاطية في الآونة الأخيرة رفضا لاستخدام الكعب العالي كوسيلة لفرض الهيمنة الذكورية والأبوية على المجتمع، لأنها مصممة لإبطاء حركة المرأة. إذ أثار المطالبون بالمساواة بين الجنسين مؤخرا جدلا واسعا حول فرض انتعال الكعب العالي.
وتقول سمر برينان، في كتابها "الكعب العالي": "يرتبط الغرض من انتعال الكعب العالي بالسياق والمكان الذي نكون فيه، سواء على أغلفة المجلات أو على البساط الأحمر أو حفلات توزيع الجوائز أو الاجتماعات أو قاعات المحاكم أو جلسات البرلمان. لكن المفارقة، أن حذاء الكعب العالي ينظر له دائما على أنه يحمل إيحاءات جنسية".
كان الكعب العالي في البداية دلالة على الرجولة
كان الغرض من انتعال الكعب العالي في البداية إضفاء سمات القوة والرجولة. وانتشر الكعب العالي في أوروبا وآسيا في أواخر القرن السادس عشر، لكنه كان يقتصر على الرجال الذين كانوا ينتعلونه حتى لا تنزلق كعوبهم من السرج أثناء اعتلاء صهوة الجواد.
وتهافت الرجال في أوروبا على الكعب العالي لأنه ارتبط في أذهانهم بالقوة العسكرية للفرس، ولم تنتعله النساء والأطفال إلا لاحقا. ودأب لويس الرابع عشر على الظهور بأحذية ذات كعب عال مبهرجة لا تصلح لبذل أي مجهود بدني، ومن ثم كان ينتعلها لتأكيد سطوته وهيبته.
واليوم لا تزال بعض الأماكن تلزم النساء بانتعال الكعب العالي في إطار قواعد الزي. وفي عام 2016، أثيرت ضجة كبيرة بعد أن فصلت إحدى الشركات في المملكة المتحدة نيكولا ثورب، موظفة الاستقبال من العمل لرفضها انتعال حذاء بكعب عال. وتحولت الواقعة إلى فضيحة، ووقع 150 ألف شخص على عريضة تنادي بإصدار قانون يمنع الشركات من وضع سياسيات حول طول الكعب، ما حدا بالبرلمان البريطاني إلى فتح تحقيق حول قواعد الزي المتحيزة ضد المرأة، ولم يتغير القانون حتى الآن.
وفي عام 2015، أثارت واقعة منع نساء من الدخول إلى صالات عرض الأفلام السينمائية في مهرجان كان السينمائي لعدم التزامهن بقاعدة الكعب العالي وانتعال أحذية مسطحة مرصعة بالجواهر، ردود فعل غاضبة. وانتقد ممثلون وممثلات مثل إيميلي بلانت وبينيشيو ديل تورو الطريقة التي يفرض بها المهرجان سياسات الهندام على الحضور رغم إرادتهم. وفي عام 2018 سارت كريستين ستيوارت على البساط الأحمر حافية القدمين تعبيرا عن استهانتها بالقاعدة.
لكن نظرا لطبيعة صيحات الموضة المتغيرة، فإن أذواق الزبائن تتناسب عكسيا مع انتشار الصيحات، أي أن هذا الرواج الكبير للأحذية المطاطية يدل على أننا سنشهد قريبا عودة الأحذية ذات الكعب العالي. وانحسرت الأحذية المطاطية بالفعل من الجولة الأخيرة لأسابيع الموضة.
وتقول بيث غولدستاين، محللة لصيحات الأحذية والاكسسورات بمجموعة "إن بي دي غروب" لأبحاث السوق، إن قبول الأحذية المطاطية في المناسبات العامة في حد ذاته يدل على تحول في نمط حياة المرأة. وتضيف: "لا أعتقد أنها مجرد تقليعة جديدة زائلة، فقد استمرت الأحذية المطاطية لفترة طويلة، بل أرى أن الزبائن يقدمون الراحة على الشكل بسبب نمط الحياة المزدحم بالمشاغل. ومن الطبيعي أن يتباطأ نمو الطلب على الأحذية الرياضية، لكنها ستظل أحد محركات السوق".
وتقول ناتالي كينغام، مديرة الموضة والمبيعات بسلسلة متاجر "ماتشز فاشون" للبيع بالتجزئة: "ستميل في النهاية الكفة لصالح الراحة والطابع العملي والأناقة، في مقابل الشعور بأنك ترتدي شيئا لتنال الإعجاب فقط." وتضيف أن الطلب زاد في الآونة الأخيرة على الكعب المنخفض والأكثر راحة. والملفت أن غالبية الأحذية المتوفرة في الأسواق الآن لا يتعدى ارتفاع كعوبها 90 ملليمترا.
وترى سافي أن الكعوب العالية لن تختفي من حياتنا، بل ستتطور علاقتنا بها. وتقول: "إن الدور الذي لعبه الكعب العالي في ثقافات عديدة يعود لقرون مضت".
وظهرت في عروض الأزياء وفي المهرجانات السينمائية في السنوات الأخيرة أحذية ذات كعب عال للرجال، ما يشي بأن علاقة المجتمع مع الكعب العالي قد تتغير مرة أخرى. وتضمنت مجموعة تصاميم دور الأزياء الكبرى للرجال، مثل غوتشي وكالفين كلاين وإيف سان لوران، أحذية ذات كعب عال، وكان بعضها لامعا أو بألوان جريئة.
وفي عام 2018، أطلق فرانشيسكو روسو، المصمم الإيطالي، مجموعة من الأحذية ذات الكعب العالي تصلح للجنسين بمقاسات كبيرة. وقال في حوار مع مجلة "فوغ": "إن المجتمع يتغير، وواجبنا أن ننتج سلعا تساير تطورات العالم".
وانتشرت علامة تجارية أخرى تسمى "سيرو"، تقلب الرمزية التقليدية للكعب العالي رأسا على عقب. إذ تبيع الشركة الكعب العالي للرجال والمتحولين جنسيا أو ذوي الميول الجنسية غير المحددة. وتقول الشركة إنها تروج للتنوع من خلال المظهر، والتمكين من خلال المجتمع.
وهذا هو بيت القصيد، فقد يكون الحل هو التخلص من التوقعات المسبقة والمعايير الاجتماعية التي تحيط بالكعب العالي، بدلا من حظره. وبهذا تصبح مجرد أحذية يختارها الزبون لأنها ترضي ذوقه. فإن ما يراه شخص اضطهادا ماديا أو أبويا قد يصبح وسيلة ليعبر بها شخص آخر عن حريته المطلقة.
فيديو قد يعجبك: