لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مفهوم الهيبة.. بين مصر واليابان

مفهوم الهيبة.. بين مصر واليابان

05:21 م السبت 24 مارس 2012

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - عمرو الزنط :

توالت الإعلانات المدفوعة الأجر، توالت قبل وبعد وخلال الذكرى الأولى للزلزال المروع الذى لحق باليابان فى ١١ مارس من العام الماضى.. الذى دفع أجرها هو الشعب اليابانى، الذى شكر فيها العالم على المعونات التى قدمها لبلاده. ظهرت الإعلانات على قناة سى إن إن ومحطات عالمية أخرى، هذا بالإضافة إلى حملة بوسترات بُعثت ووزعت فى مختلف أنحاء العالم الصناعى والمطارات الدولية الكبرى، وعليها: «اليابان: شكرا».. ولافتات مماثلة تزين الحافلات وسيارات الأجرة فى المدن اليابانية الكبرى.

بين الجهات الرئيسية المنظمة لهذه الحملة، طائلة التكلفة لا شك، كانت هيئات معنية بالسياحة والتجارة والاستثمار الخارجى، وهى مجالات تأثرت سلبيا فى أعقاب الزلزال، وما تلاه من تسونامى وكارثة نووية، لم تدرها اليابان على ما يرام حسب ما نقلته (وقررته) الكثير من وسائل الإعلام العالمية، التى اتهمت الحكومة والهيئات اليابانية بالـ«تكميخ» وعدم الكفاءة. كانت حملة الشكر تلك أحد طرق مواجهة موجة الهجوم والنقد، وما صاحبها من اهتزاز صورة البلاد، مما ضاعف من مدى التأثير السلبى على اقتصادها فى عقبة الزلزال.

كما شرحت فى المقالات السابقة، فإن اليابان- مثل الصين التى لحقت بها مؤخرا- صارت الآن جزءا لا يتجزأ من العالم المعاصر، ليس فقط اقتصاديا وتكنولوجيا، إنما أيضا فكريا وذهنيا وحضاريا، وبالطبع فإن الحكومة والهيئات والمؤسسات اليابانية تعرف ذلك وتتصرف على هذا الأساس: تعرف أن مصيرها الاقتصادى وأساسه العلمى والتقنى مرتبط جذريا بكونها جزءا من العالم الصناعى المعاصر- عالم مبنى على الترابط وإمكانية التعاون والتفاعل وتبادل السلع والأفكار والابتكارات- ولأنها مرتبطة فكريا معه، فتعرف اليابان أيضا كيف تخاطبه وكيف تحسن صورتها أمامه لكى تستعيد مكانها الرائد بين الأمم بالكامل بعد انتكاسة العام الماضى.

بالقطع فإن الاقتصاد اليابانى ليس على وشك الانهيار، فهو الاقتصاد رقم ثلاثة على مستوى العالم، وهو فى كل حال ليس معتمداً بدرجة كبيرة على السياحة، ولن يتأثر بطريقة كارثية على المدى

 القصير بهروب الاستثمارات الأجنبية، ومن المرجح أن اليابان كانت من الممكن أن تتخطى الأزمة دون قبول أى معونات أو مساعدات أجنبية.. كل ذلك معناه أن «حملة الشكر» التى قامت بها اليابان لم تكن مبنية على الحاجة الملحة، إنما على معرفة أن المصلحة على المدى الطويل تتطلب ذلك.. وربما كان الأخذ فى الاعتبار احتمال كوارث مستقبلية أكبر، قد تحتاج فيها فعلا بطريقة ملحة إلى المساعدات الأجنبية عاملا إضافيا.. وأخيرا، وليس آخرا، فإن اليابانيين يعرفون أن الشكر على المساعدة من ضمن المقومات الأخلاقية للحضارة!

الدرس الأول هنا يتعلق بما ناقشناه فى المقالات السابقة، فقد بدأنا بالقول إن الطريق لإيجاد مكان متميز بين الأمم يبدأ بالمشاركة فى الحضارة المعاصرة، علميا وفكريا ومن ثم تقنيا واقتصاديا، بدلا من التركيز على الصراع معها سياسيا. أما «الدرس اليابانى» فهو أن مشوار تثبيت المكانة المتميزة لا يكتمل ولا يستمر إلا بتكريس وتوثيق العلاقة مع العالم، حتى إذا كان التنافس الاقتصادى يحتم نشوب الصراع السياسى المحدود من حين لآخر.

فليس فقط هذا سبيل التقدم، إنما أيضا عملية الاستمرار فى الازدهار والتطور وتثبيت المكانة المحترمة تعتمد على إمكانية التأقلم والوئام والتعاون، أى فكرة التفاعل البناء مع العالم، وليس الثأر من الإنسانية.. وإلا ضاعت وتضاءلت هذه المكانة، فى عالم لا يمكن فيه لأى أمة أن تبقى متقدمة إذا انعزلت عن بقية الأمم، أو دخلت معها فى صراعات عنفوانية.. والحقيقة أن اليابان كأمة (ومعها ألمانيا) تعلم وتعى ذلك أكثر من غيرها، نتيجة تاريخ الصعود المذهل بعد الانفتاح على العالم فى القرن التاسع عشر، ثم السقوط المروع بعد الصراع معه بسبب السياسات الشعبوية العنصرية التى تبناها الحكم المعسكر والتوسعى، والذى انتهى بكارثة تاريخية مع نهاية الحرب العالمية.

وبعد الحرب والصعود مرة أخرى بين الأمم، لم يكرر اليابانيون نفس الخطأ، لم ينصاعوا وراء نداءات شعبوية تطالب بالثأر من الهزيمة والقنابل النووية التى ألقيت عليهم، أو مهانة استمرار وجود القواعد الأمريكية على أراضيهم. إنما استرضوا بالدستور والنظام السياسى المفروض من قِبل الولايات المتحدة بعد الحرب، كأداة لتأسيس وضع جديد يرتكز على المنافسة الاقتصادية والمشاركة الحضارية.

أعتقد أن فى كل ذلك دروساً مهمة لنا، خاصة أن فى الوقت نفسه الذى قامت فيه اليابان بحملة «هجوم الحب»، كان ما يتلقاه العالم عنا، ونحن دولة محتاجة فعلا إلى الاستثمارات الأجنبية وللسياحة، يتلخص فى أنباء عملية ملاحقة المنظمات غير الحكومية، واحتجاز أعضائها، وتبرير ذلك باسم الكرامة والهيبة، بينما هذه الصفات غابت تماما عن نظرة العالم لنا خلال تلك القصة الهزلية.

 

اقرأ أيضا:

فيس بوك يثور لاختيار ''بكري'' مشرفاً على لجنة تأسيسية الدستور

إعلان

إعلان

إعلان