إعلان

 "مدد يا سيدي البدوي مدد"

مؤمن الشناوي

"مدد يا سيدي البدوي مدد"

08:03 م السبت 19 ديسمبر 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم – مؤمن الشناوي:

كنت قد استقللت سيارة أجرة أنا وزملائي ومنهم طبعاً حسام إلي مسجد السيد البدوي فراح يسير بشوارع المدينة حتي تجلت لنا محطة قطارات طنطا ومنها اتجه يساراً حيث فندق عرفة -الشهير جداً هنا- وفي نهايته برزت لنا مأذنة المسجد وقبته ، توقفت السيارة ونزلنا منها بعد قيامي بمحاسبة قائدها بالأجرة المعتاده هنا - خمسة جنيهات - فهنا تستطيع أن تسير بجميع شوارع طنطا وأزقتها بخمسة جنيهات فقط ؛ وده دليل علي عظمة التحدي اللي هتواجهه شركة Upper لو جت فتحت هنا.

وعند دلوفي ساحة المسجد الفسيحة انتابتني موجة من القشعريرة والهيبة فالمسجد ضخم ذو نقوش أندلسية جميلة تملأ جنباته وأسقفة العالية المهيبة.

تفترش في أركانها مجموعات من العائلات الريفية والصعيدية والتي جاءت من أقصي بقاع المحروسة للتبرك وقضاء وقت عائلي وسط روحانيات المكان .

وما أن تطأ قدمك باب المسجد وتسلم حذائك لعامل حفظ الأحذية عند يسار الداخل حتي يتسلل إلي أنفك رائحة نتنة توقظك من الحالة الروحانية المحيطة بك وتنفرك من المكان بكل ما فيه ؛ إنها رائحة الفسيخ ، فسيخ ياولاد التييييت جوه الجامع، منكم لله يا بُعاد، وتتخبط في رأسك عدة أسئلة : هو إيه اللي جاب ريحة الفسيخ هنا ، هو ده جزء من المباركة !! ، ولا في حد ونونت في دماغه ياكل فسيخ جوه الجامع !!!

لاحظت فرض أُمناء الشرطة لسيطرتهم علي المتواجدين ومحاولة إخراجهم من المسجد فقمت بالتوجه لكبيرهم والافصاح عن شخصيتي حتي لا يطولني ذلك الشخط والنطر وإقتيادي إلي مقام السيد البدوي، فما كان منه إلا أن رفع حاجبيه وفتح فاه راسماً علامات الدهشة علي وجهه ويصاحب ذلك شهقة كالتي تشهقها جدتي عند سكب التقلية علي - لامؤخذة - الملوخية وأعقبها بسؤال كله استعجاب: هو سيادتك أول مره تزور سيدك احمد البدوي ؟!!!

- أيوة والله أول مرة ، معلش مكانش قصدي!!

- ازاااااي دي بركات سيدك البدوي حاله علي الكل ، إزاي ماتجيش تزوره ؟

- منا جيت أهو ، وديني عنده بسرعة إذا سمحت

- خوش من هنا .. خوش ( بطريقة أقرب بالاستنكار منها عن الإستهزاء ) كأنه بيقولي خوش دخلت المية في زورك.

دلفت إلى غرفة مربعة كبيرة بداخلها قفص نحاسي ذو زخارف لا تقل جمالاً ورونقاً عن مثيلاتها التي بالسيدة زينب والحسين بالقاهرة ؛ آية في الفن الزخرفي تعجز كلماتي عن وصفه، يليه حائل زجاجي شفاف ثم المقام المغطي بساتر لم أعرف لونه بالتحديد من تأثير الإضاءة الخضراءالتي تضفي جواً روحانياً ساحراً ويوجد على المقام مصحف كبير مفتوح علي سورة (يس) ومسبحة كبيرة وأشياء أخري.

وفي تلك الغرفة تمتزج رائحة الفسيخ برائحة البخور الكثيف الذي أشعلته إحدي العجائز والتي ما أن رأتني وأنا أجول حول المقام لأتفحصه علي إستحياء حتي قامت بمناداتي : تعالي يا ولا خود شوية مية مباركة من بتاعة سيدك الأحمدي، رفضت بإبتسامة خفيفة أحاول فيها إخفاء توتري من الموقف وإذا بسيدة ريفية تمسك بذلك القفص النحاسي وتترجي المقام أن يصفح عن نجلها محمد لأنه اغتصب خمسة أفدنة منها دون رضاها معلنةً له انها : زعلانة منه اوي !!! ، وبجانبها رجل صعيدي قمحي البشرة طويل الهامة يرتدي من الملابس البلدية جلباب بني اللون بخطوط سوداء طولية عريضة يمسح ذلك القفص بيده تارة وبجلبابه تارة ويقبله بنهم !!!! ثم راح يتمتم كأنه يبلغ المقام بأسراره الشخصية ، ثم وقعت عيني علي آخر جالس - في وضع التشهد - مولياً وجهه نحو المقام والدموع تزرف من عينه وكان يرتدي بدله افرنجية كامله !!!

وجدت أيضاً بإحدي أركان الغرفة لوح جرانيتي اسود اللون عليه أثر لقدمي ( الرسول عليه الصلاة والسلام ) - كما قيل لي - رغم إني أتشكك من ذلك.

خرجت من الغرفة نحو غرفة أخري بها ثلاثة مقامات مطوقة بقفص خشبي للشيوخ/ أحمد حجاب وسيدي عبد المتعال وآخر مجهول لم يكتب إسمه بجانب مقامه ثم منها إلي غرفة أخري بها مقام / سيدي مجاهد.

وعند عودتي لغرفة سيدكم البدوي أبصرت - للأسف - أحد المرافقين لي يقوم بالتمتمه والدعاء للمقام عكس اتجاه القبلة !!!!، نهرته بشده ثم توجهت صوب الباب الرئيسي للخروج ليس تشبثاً بمبدئي أو إعلاناً مني برفض ما فعله فقط بل لأن جموع الحضور قد رؤني وأنا أنهره !! وبدأوا في رسم التجهم علي وجوههم فانصرفت علي الفور.

ترجلنا بسرعة خاطفة إلي الخارج وبيد كلاً منا حذائه حتي نهاية الدرج فقمنا بإرتدائه ونحن نتلفت يميناً ويساراً خوفاً من تعدي أحد آكلي الفسيخ علينا ثم إندمجنا وسط الزحام حتي وجدنا أنفسنا أمام حانوت [ عوارة ] للحلويات الشرقية فقمنا بشراء ما يلزمنا منها وعدنا للفندق لننهي ذلك اليوم العجيب .

سؤال بقي للناس اللي بتروح هناك وتعمل الحاجات دي ؟

- إنت ليه بتعمل كده وإنت مسلم وموحد بالله وعارف شروط الدعاء ؟!

- إيه الفرق بينك وبين الشيعة لما يعملوا الحاجات الغريبة بتاعتهم ؟

- لما إنت متعلم ومعاك ماچستير ودارس برا تقدر تقولي إيه الفرق بينك وبين الست أم محمد اللي ابنها ضرب منها الخمس فدادين ؟

ربنا يهدي

إعلان