لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حازم دياب يكتب: ''بألف ألف ميعاد''

حازم دياب

حازم دياب يكتب: ''بألف ألف ميعاد''

09:27 م الأحد 08 مارس 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - حازم دياب :

• يفضّل قراءة المقال أثناء سماع أغنية ''من زمان جداً'' كلمات: مصطفى إبراهيم غناء: محمد محسن.

1

في أعقاب ثورة 25 يناير، أطلقت إحدى دور النشر مشروع ''النشر لمن يستحق'' لتشجيع الشباب في أن يروا منتجات إبداعهم بين دفتي كتاب. تحمّست، كنت قد كتبت مجموعة من القصص التي رأيت في حينها أنها تستحق أن تُجمع، قصص من وحي الصعيد الذي فيه وُلدت وفيه نشأت. ربما ندمت على تضييع تلك الأفكار في قصص لكاتب حديث، الأفكار كالأطفال، يحتاجون إلى نضج لكي تستطيع الحكم على تصرفاتهم، المهم إن الكتاب صدر في نهاية عام 2011، وقامت مكتبة ''ألف'' في الإسكندرية بتنظيم حفل توقيع للكتاب أدارته مسؤولة العلاقات العامة آنذاك، فتاة تُدعى هبة خميس.

2

هناك فيلم هندي اسمه ''Slumdog Millionaire'' أو المليونير المتشرّد، الفيلم الذي عرض عام 2008، حصد 8 جوائز أوسكار و87 جائزة أخرى، بالإضافة لترشّحه ل33 جائزة. يبدأ الفيلم بسؤال متعدد الخيارات يتم توجيهه للمشاهد: ''جمال مالك على بعد سؤال واحد من الفوز بسؤال العشرين مليون روبية فكيف استطاع أن يفعل ذلك:

1- غشّ في اللعبة.

2- جمال محظوظ.

3- جمال عبقري.

4- إنه القدر.

الفيلم الذي يتميز بإيقاع هندي راقص، عبارة عن برنامج ''من سيربح المليون''، مع الشاب المضطرب زائغ العينين جمال مالك، كل سؤال يُطرح له أصل، وكل إجابة لابد أن تحتوي على حكاية، فمثلاً سؤال الألف روبية كان: ''من كان بطل فيلم الأكشن زانجر الذي تم إنتاجه عام 1973؟''.

يعود الشاب جمال إلى الطفل جمال، حيث استطاع أن يحصل على توقيع هذا الممثل ''أميتاب باتشان'' المشهور وذلك في إحدى المرات التي هبط فيها أميتاب بطائرته المروحية الخاصة على مدرج الطائرات التابع للمطار القريب من مكان سكنهم إلا أنه وللأسف فقدَ جمال ذلك التوقيع بعد قيام أخيه سليم ببيع التوقيع مقابل حفنة من المال.

الأسئلة تمضي، وجمال يذهب للتحقيق أمام ضابط ضخم الجثة لا يستوعب كيف يعرف ذلك الشاب كل هذه الأجوبة، في هدوء يحاول أن يظهره يجيب الضابط مثلاً عن سؤال الربع مليون، وهو :''دارغان دو غنشان أغنية هندية كتبها شاعر هندي شهير، ما اسمه؟''.

يتذكر جمال الأحداث التي تلت هروبه مع أخيه والفتاة لاتيكا ليخبره عن حياتهم التي قضوها في أحضان النفايات يجمعون القمامة وكيف أنه بأحد الأيام قدم إليهم رجل اسمه مامان اكتشفوا فيما بعد بأنه زعيم لإحدى العصابات التي تستخدم الأطفال المشردين في أعمالها حيث ترسلهم إلى التسول في الشوارع بغية كسب المال.

مامان هذا قام بأخذهم إلى مخبأه ليعلمهم التسول ويستفيد منهم ولا يتورع في إفقاد الصبية أبصارهم، كي يستدروا عطف الأغنياء، وتكتظ خزينته بالأموال.

وعندما حان دور جمال في عملية وسم العينين قام أخوه سالم بإنقاذه وتهريبه إلا أن الفتاة لاتيكا لم تستطع أن تلحق بهم مما أدى إلى بقائها عند مامان. الذي كان يجعلهم يحفظون أغنية دارغان دو غنشان ليقوموا بغنائها أثناء تسولهم. ومن هنا تأتي أسباب معرفة جمال لكاتب هذه الأغنية الشاعر سورداس.

3

قامت هبة خميس، التي بدأت صداقتنا في التوطد بإصدار كتابها الأول فجأة: قدّمت في جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة، وجدت من يخبرها أنها نالت المركز الأول مع مكافأة مالية بسيطة وطبع للكتاب القصصي الذي حمل عنوان ''من نافذة تطل على ميدان''.

كنت أسافر من بلدتي في الصعيد لحضور مباريات الأهلي الهامة في الاستاد، يومها كانت هناك مباراة للترجي التونسي والأهلي، وقتما كانت للكرة طعم يصنعه زئير الجمهور في الملعب. كانت هبة في اليوم نفسه تستعد لحفل توقيع لكتابها، اتفقنا أن نتقابل بعد أن جلبت لها نسخ من الكتاب، وكان رمضان، وكان الإفطار في ''بابا جونز''. وتوطدّت الصداقة.

4

كان اليوم أحد، الدوري الإيطالي أحبّه، الميلان فريقي المفضّل هناك، كنت أحب ''يوفي'' نيدفيد ودل بيرو، الآن أصبحت أتابع فيورنتينا لأجل عيون محمد صلاح، كنّا في جلسة عائلية، لا نسمع المعلّق على المباراة بشكل جيد نظراً لصوت عال يصدح بالقرآن في مآتم في الحارة، قال الحضور 

- بس الشيخة فاطمة متألقة إنهارده.

- الشيخة فاطمة مين؟.

- اللي بتقرأ في الشادر بتاع الموتة اللي برّا؟

- بتقرا ازاي يعني؟.. اللي بيقرا برّة صوته رجولي وجميل جداً.

- اطلع شوف.

سيدة وصلت للسبعين، ترتدي نظارة سوداء، لماذا يحرص أكفاء البصر على النظارة السوداء؟.. هل يخشون نظرات الناس إلى هذا الحد؟.. فاطمة اسمها، حفظت القرآن كاملاً وهي بعد في السادسة، أدركت أن صوتها فيه الطلاوة، فقررت أن تدخل ركاب القرّاء، وهي في منتصف العشرينات أصبحت تقرأ في المآتم. لا تخشى شيئاً، هذه تستحق أن تُكرّم من جمعيات حقوق المرأة، سيدة قيّضت قسوة ضيق ذات اليد، وصعوبة ظروف جعلتها في مواجهة الحياة وحدها.

اقترحت على زملائي عمل تقرير عنها لبرنامج ''ممكن'' على قناة CBC. التقرير للحظ السعيد، كان في حلقة د.أسامة الأزهري عضو التدريس بجامعة الأزهر يوم الجمعة الماضية عن ''الحب، الرحمة، الجمال''. وكان التقرير يمثّل ملمح الجمال والرحمة. أثنى عليها العالم كونها من أهل الله وخاصته. الشيخة الفقيرة فاطمة لم تطلب إلا عمرة. وبعض محبي الخير أعلنوا عن تلبيتهم لرغبتها. وإن المستقبل قد يشهد لها حج.

5

المنزل الذي استمعت فيه إلى صوت الشيخة فاطمة وكنت أشاهد فيه المباراة، منزل في منطقة غبريال بالإسكندرية، لسيدة عجوز طيّبة هي جدة هبة خميس، التي أصبحت زوجتي منذ شهور قريبة.

6

في نهاية فيلم ''slumdog millionaire'' تسطع على الشاشة جملة واحدة: It's Written.. إنّه القدر.

 

إعلان

إعلان

إعلان