لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حوار مع ميادة من الجنة

ميادة أشرف

حوار مع ميادة من الجنة

11:07 م الأربعاء 30 مارس 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - بهاء حجازي:

اقفلوا القوس علي ميادة أشرف 

أنا زعلانة علي مصر يا أستاذ 

انا مش عاوزة ارجع دنيتكم, أنا مفرحتش فيها 

أن تتجول في وسط شوارع القاهرة وتجد جرافيتي لشهيد من شهداء الثورة فهذا أمر طبيعي, وأن ترى أن ملامح الجرافيتي تكاد أن تنطق لهو أمر شائع (راجع جرافيتي الحسيني أبو ضيف) وأن تسأل الجرافيتي ويجاوبك لهو أمر مثير للحفيظة, ولكن ما لا يتقبله العقل هو أن نكتفي بجرافيتي يخلد ذكري شهدائنا دون القصاص لهم.

ميادة أشرف واحدة ممن ضحت بهم الصحافة المصرية لتنضم إلى قائمة عريضة من حملة الكاميرا الراحلين, قائمة يسكن جنباتها الحسيني أبو ضيف وحبيبية عبد العزيز وأحمد عاصم .

ميادة أشرف واحدة ممن وضعتهم الظروف بين شقي رحى؛ إما أن تعود إلى (أسطنها) وتصبح ربة منزل بملامح شرقية , أو تظل في العاصمة وسط شجب القاهرة وطنين سكانها فأختارت الشق الأخير فكان مصرعها.

عندما تضغط علي زر البحث في محرك البحث الأشهر (جوجل) بعد أن تكتب في خانة البحث (ميادة أشرف)، ستظهر لك آلاف النتائج لكن أكثرهم إثارة للنفس والحفيظة والدموع معا هي صورة تجمع ما بين ميادة قبل الوفاة بفستانها الهادئ وملامحا الملائكية، وبين ميادة تلطخ الدماء ملابسها وتشق طلقة الغدر رأسها, لتعلن هذه الصورة أن الغدر قد يغير الشكل ولكن يظل المبدأ ثابتا لا يتغير.

ميادة التي حملت عند استشهاد الحسيني أبو ضيف لوحة كتبت عليها جملة (الكاميرا لاتزال في يدي) وظلت تهتف (يا حسيني نام وارتاح ... وإحنا نكمل الكفاح)، ولكن دولة شاخت مفاصلها وترنحت عقول مسئوليها, تأبي أن يتواصل الكفاح، فأرسلت ميادة إلى حيث يرقد الحسيني إلى حيث الراحة الأبدية, إلى حيث جنان الرحمن.

يقول نزار القباني (فحبيبة قلبك يا ولدي ليس لها أرض أو وطن أو عنوان) , إنها هيّ ميادة لا أحد يستطيع أن يستأثر بها فميادة ولدت (بأسطنها) ولكنها عاشت وستعيش في ضمير كل منا. إن الباحثات عن الحرية لا يموتون, إنما يمهدون الطريق لباحثات أخريات. أين ذهبت عائشة عبد الرحمن سيظل يذكرها شاطئ دمياط؟ أين ذهبت جميلة بوحريد سيظل يذكرها كل حر؟ إنهم جميعا يرحبون بميادة أشرف في جنة الرحمن بحفلة تغني لهم فيها أم كلثوم (الحب كله .. حبيته ليك).

جاءت القاهرة ولسان حالها يقول كما يقول حسن الماروني (ممزق أنا لا جاه ولا ترف .. يغريكي بيا فخليني لأهاتي)، ولكن الرب أراد أن يضع حدا فاصلا لهذه الآهات. حلمت مثل كل الفتيات بفستان أبيض وبرجل تُحيل حياته إلى جنه فلُطخ الفستان بدمها وبكتها كل رجالات الأرض، وذهبت هيّ إلى الجنة.

كان لنا معها هذا الحوار من الجنة. ترتدي ثوب أبيض ولا تنتعل شيئا بقدمها, يشع النور منها, لا تتحدث مثلما يتحدث البشر, وإنما تشدو كما يشدو عصفور يسبح ربه في غسق الدجي.

سألتها 

- لو كان بإمكانك أن توجهي دعوة لأحد أن يقيم معكي هنا.. إلى من سترسليها؟ 

أجابت بدون تفكير. إلى كل المظلومين كل المهمشين كل الراحلين بلا ذنب والباقيين بلا حيلة، إلى أبي وأمي وأخي.

- إلى أي شىء تفتقدين هنا؟ 

هنا ياعزيزي لا معني للفقد. إن ما تحتاجه تجده قبل أن تشرع في التفكير به, قبل أن أفكر في حضن أمي, أجدني به, قبل أن أتوق إلى رائحة أبي اجدها تعبق المكان. قبل أن افتقد صوت أخي، يصلني صوته مناديا عليّ ( ميادة ميادة ). أحس بأن العالم كله يستمع إلى اسمي حين ينطقه وأقول ربي ما لي لم اسمعه بهذه الحلاوة من قبل. قبل أن اشتاق إلى صديقاتي تصلني دعواتهم (ربنا أن لنا أخت بين ثرايا ترابك فأرحمها فكان ربي سريع الاجابة).

- كثير من الشعراء رثوكي، من كنتي تتمني ان يرثيكي ولم يفعل؟

أنا زعلانة من هشام الجخ. إزاي مايكتبش عني؟ بس أنا بحبه وعاوزك تقوله إن هنا الواحد بيلاقي الناس اللي بيحبهم ومش قادر يلاقيهم في الدنيا , قوله لما تيجي هنا هتلاقي نانا.

- مين تاني معاكي هنا ياميادة؟

ناس كتير ناس كنت عارفة إنهم هنا وناس اتفاجئت بوجودهم هنا في الحسيني أبو ضيف وحبيببة عبدالعزيز واحمد عاصم وجابر جيكا وسالي زهران وشهدا عربية الترحيلات وهنا كلنا بنلعب مع انس.

- عاوزة تقولي حاجة لحد؟

اه عاوزة اقول لأية عبده وجهاد وفاطمة عمارة وكل صحابي البنات, زي ما فاطمة سمت بنتها ميادة أنتم كمان أول ما تتجوزوا تسموا ميادة علشان بناتكم يطلعوا حلوين زيي , واي واحدة فيكم مش هتدعيلي بعد الصلاة هزعل منها.

- شفتي صورتك على النقابة؟

آه أنا مكنتش أعرف إني حلوة كدا. بس باريت متحطوش صور صحفيين تاني جنبها, اقفلوا القوس على ميادة أشرف.

- وزعلانه علي ايه؟

زعلانة علي برنامج باسم يوسف, وعلى قطع الكهربا وعلى عساكرنا اللي بتموت وزعلانه على بلدنا اللي مبقاش فيها أمان , وأثارنا اللي مفيهاش سياح انا زعلانة على مصر يا استاذ.

- في النهاية لو تقدري ترجعي دنيتنا ليوم واحد هتعملي إيه؟

أنا مش عاوزة ارجع دنيتكم انا مفرحتش فيها , انا عاوزاكم انتم تعيشوا معايا هنا.

حاورها رجل لايستحق أن يذهب إلى هناك.

إعلان

إعلان

إعلان