لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ظن خيراً ولا تسأل عن الخبر !!

ظن خيراً ولا تسأل عن الخبر !!

د. أحمد عبدالعال عمر
08:57 م الأحد 18 يونيو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

د. أحمد عمر

التصوف في جوهره تجربة روحية ذاتية، يرتقي فيها الإنسان السائر في الطريق عبر مدارج من المقامات والأحوال، حتى يصل إلى أعلى درجات القرب من الحقيقة الإلهية، وعندئذ يتبدى له ما خفي عن الآخرين، وتُرفع عنه الحجب ليرى الأمور كما هي، ويطلع على أسرار الملكوت، ليصير الإنسان الكامل الذي اقترب ورأى.

وعندما يعود الإنسان الكامل من تلك الحالة التي نال فيها القرب والوصل، وتم له فيها الكشف عن الأسرار، يجب عليه -كما نص دستور الصوفية الكبار، ألا يبوح بما رأى، وأن يحفظ أسرار التجربة. ومن خالف ذلك فكأنه أعطى للناس حق هدر دمه، مصداقاً لقول الشيخ الشبلي: "من أباح الأسرار فقد أبيحت دماؤه".

وهو ما حدث بالفعل مع الحلاج تلميذ الشبلي الذي باح بحاله، وبما رأى بكلام ظاهره مخالف لشريعة الفقهاء والسلطان، فأُهدر دمه، عندما صرح وقال: " أنا مَن أهوى ومَن أهوى أنا / نحن روحان حللنا بدَنا / فإذا أبصرتني أبصرته / وإذا أبصرته أبصرتنا". 

وقد جعل مصير الحلاج كل الصوفية اللاحقين عليه، وعلى رأسهم الإمام الغزالي، يُؤثرون الصمت، ليجعلوا لسان حالهم ومقالهم قول الشاعر العباسي ابن المعتز: " فكانَ ما كانَ مما لستُ أذكرهُ / فظنّ خيراً ولا تسألْ عن الخبرِ". 

وهنا يفرض علينا الواقع وتطور أحداثه في مصر هذا السؤال: هل يمكن أن تخضع الممارسة السياسية للسلطة الحاكمة لنفس منطق وقواعد التجربة الصوفية، فنجد الحاكم والمعلق السياسي الذي يدور في فلكه يخرجون على الشعب ليقولوا له: لا تفكر، نحن نفكر لك. وظن خيراً بنا، ولا تسأل عن تفاصيل الأخبار وعلة المواقف والأحداث؟ 

يؤسفني أن أجيب بالقول، إن هذا ربما هو المنطق الذي أراد دائما الحاكم الشرقي وتابعوه، - قديماً وحديثاً - أن يحكم علاقته بالمحكومين؛ فهو الذي يرى ما لا يراه الآخرون، وهو الذي يحق له أن يخفي عن الشعب حقائق الأمور، ويرفع شعار "َ ظُنَّ خَيْرًا وَلَا تَسْأَلْ عَنِ الْخَبَرِ". 

وقد تبدى ذلك المنطق على نحو وأضح في الأزمة الأخيرة التي كادت تعصف بالسلام الاجتماعي في مصر، وصدعت جدار الثقة بين السلطة وقطاع عريض من المصريين، وهي "أزمة إدارة" ملف جزيرتي تيران وصنافير. 

فمتى تدرك سلطة حكم اليوم، أن وعي الناس تغير، وأن أنماط التلقي الخاصة بهم ووسائلها، قد اختلفت، مما يُحتم تغيير خطاب السلطة وآليات إقناعها للناس، وأنه لم يعد من المقبول بعد ثورتين غيرتا وعي المصريين، وبخاصة الشباب منهم، أن يسود الحياة السياسية كل هذا الغموض المثير للحيرة، وأن تتم إدارة البلد سياسياً بمنطق الباطن والظاهر في التجربة الصوفية، فيزيد في مساحة الباطن الخفي المضنون به على غير أهله، ويطلب من الناس أن يقبلوا بالظاهر ويظنوا بالنظام خيراً، دون أن يطلبوا تفسيراً أو تبريراً، لأن متخذ القرار، ومن هو على رأس النظام قد اقترب ورأى ما لا يراه الآخرون. 

ومتى تدرك السلطة أن طوق نجاتنا جميعاً، حكام ومحكومين، والآلية الصحيحة لغلق الباب أمام من لا يريدون للوطن خيراً من جماعة الإخوان المسلمين، هو أن تتسق السلطة في سياساتها وقرارتها واختياراتها مع روح 25 يناير و30 يونيو، ومع الطموحات الوطنية لجموع المصريين، الذين خرجوا في الثورة الأولى للقضاء على الفساد ومشروع التوريث، وخرجوا في المرة الثانية للقضاء على الفاشية الدينية ومحاولة مسخ الهوية المصرية. وسعوا من خلال الثورتين لبدأ مرحلة جديدة في تاريخ مصر، تُؤسس على الثقة والمكاشفة والمصارحة بين السلطة والشعب.

إعلان

إعلان

إعلان