لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حسابك على "فيسبوك" و"تويتر" أسرع طريق لسجنك

عمار على حسن

حسابك على "فيسبوك" و"تويتر" أسرع طريق لسجنك

د. عمار علي حسن
09:17 م الأربعاء 12 يوليو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لن يكون "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" وغيرها مواقع آمنة لأصحاب الآراء السياسية الحادة، خاصة أولئك الذين يسخرون من السلطة العليا، أو يردون بقوة على مزاعمها، أو يفضحون بعض خططها التي تريد تسويقها بليل لتضمن مرورها في صمت تام،ـ وسلام عام علي أهل الحكم، فحين يلتئم "مجلس النواب" في دورته الجديدة سيناقش كيفية إدخال "مواقع التواصل الاجتماعي" بيت الطاعة، تحت ما يسمى "قانون الجريمة الإلكترونية"، الذي يحتوي مشروعه على فرض عقوبات تصل إلى السجن المؤبد لكل من يرتكب أي من الجرائم التي ينص عليها.

المادة الأولى من مشروع القانون عرَّفت وسائل التواصل الاجتماعي بأنها "التطبيقات التي تعمل بواسطة الإنترنت، ويمكن عن طريقها التواصل بين الأشخاص سواء صوتيا او عبر رسائل الفيديو أو الرسائل المكتوبة، أيا كان اسمها وأيا كان الجهاز الذي تستعمل من خلاله"، أما المادة الثانية فتفرض ضرورة الحصول على ترخيص رسمي باستعمال وسائل التواصل الاجتماعي، سواء لإنشاء حساب جديد، أو تقنين أوضاع الحساب القديم.

المتحمسون للقانون من النواب يرفعون في وجوهنا ما لا نقاش فيه لينفردوا هم بنقاش وإقرار ما لا نود مناقشته أبدا، وما نتوقع أن يوافقوا عليه بين غمضة عين وانتباهتها. فهم يقولون إن الدافع وراء السعي لإصدار هذا القانون هو "الإساءة للجيش المصري"، ولا أحد في هذا البلد، لديه ذرة من وطنية، يريد أي هجوم باللفظ أو الإشارة أو الرسم على القوات المسلحة، فهي بنص الدستور "جيش الشعب" وقوامها الأكبر من المدنيين، جنودا وضباط احتياط، كما أن ضباطها وصف ضباطها العاملين هم أبناء المصريين، وليسوا من الغز ولا الجراكسة ولا الارناؤوط أو الألبان كما كان في زمن سابق.

من المقبول أن ننقد المشير أو الفريق أو اللواء أو العميد أو العقيد حين يتولى منصبا عاما، رئيسا كان أو وزيرا أو محافظا أو رئيس شركة أو مصنع أو مدينة أو حي سكني .... الخ، لكن إن كان أي منهم في معسكره خادما لبلده فعلينا أن نحرص كل الحرص على أن نصون دوره، ونشد على يده، ونحفظ أسراره.

حين تتم المناقشة سنسمع صراخا من النواب تحت قبة البرلمان، وعلى شاشات الفضائيات، باسم الدفاع عن جيش مصر، وهي لافتة تخفي وراءها الهدف الحقيقي من هذا القانون، وهو السيطرة على آخر منبر للتعبير الحر في بلدنا، فشلت السلطة في إحكام قبضتها عليه بجيش جرار من الميليشيا الإلكترونية، لأن صوت الناس أعرض وأعلى وأحق أن يتم الإنصات إليه، بينما نجحت في السيطرة التامة على وسائل الإعلام الأخرى مرئية ومقروءة ومسموعة.

سيقول قائل إن صفحات مواقع التواصل الاجتماعي باتت غارقة في الشتائم والسخائم والقبائح والفضائح، وأن التطاول فيها على المسئولين والشخصيات العامة بلغ حدا لا يطاق. وهذا بالطبع صحيح، لكنه أيضا حق أريد به باطل، فمعارضو السلطة مستباح عرضهم وشرفهم وسمعتهم ومصالحهم من قبل الميليشا الإلكترونية التابعة لأهل الحكم، رغم أن الأحق بالنقد واللوم بل والتوبيخ هو من يجلس في مواقع التنفيذ ليتخذ القرارات والإجراءات ويسن القوانين التي تمس حياة الناس ومصائرهم. وفي كل الأحوال "من يعمل بالعموم فعليه أن يتصدق بنصف عرضه" كما قال ابن حزم.

كما أن هناك من يكتب على صفحته نقدا بناء، أو مجرد نقد يعبر فيه عن رأيه بدلا من أن يموت غيظا. بل إن بعض الكتاب والعلماء وأساتذة الجامعات والصحفيين يتفاعلون مع الشأن العام على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وأغلب من ينتقدون السلطة على صفحاتهم يدافعون فيها عن الوطن حين يقصده الإرهابيون بسوء.

والذين يدفعون في اتجاه إصدار القانون بدعوى الحفاظ على القيم الإيجابية والفضائل الاجتماعية والأخلاق الإنسانية، نقول لهم، إن هذا، ولمرة أخرى، حق أريد به باطل، فلو كان مقدمو مشروع القانون ومن سيناقشونه، ويوافقون عليه بالطبع، تعنيهم هذه المسائل لشغلهم أكثر حظر المواقع الإباحية وملاحقة فيديوهات لمن يسمون أنفسهم "مشايخ" أو "دعاة" تحض على القتل والكراهية. ولو كانوا إيجابيين أكثر لفكروا في كيفية إطلاق مواقع وصفحات أكثر وأكثر تعزز قيم العلم والوطنية والاعتدال الديني، وأخرى للتواصل الحقيقي بين المسئولين والناس، بما هو أبعد من الاكتفاء بالدعاية والمحاولة اليائسة لتجميل القبيح. ولو كانوا جادين أيضا لأوقفوا استخدام الإنترنت بإفراط في انتهاك حقوق الملكية الفكرية.

المتحمسون للقانون من النواب والإعلاميين الموجهين أو الناطقين باسم السلطة راحوا يربطون بين مواقع التواصل الاجتماعي وبين "ترويج الشائعات" و"التحريض على الإرهاب" و"تنفيذ المؤامرة الكبرى على مصر" و"الإساءة للقوات المسلحة"، ويتحدثون عن محاكمات عسكرية لأي شخص يرتكب الجريمة الأخيرة. إنهم يمهدون الساحة الاجتماعية لانتظار هذا القانون، الذي سيصدر قريبا، وبعدها سيكون التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي له وضع مختلف جدا.

سيسن القانون، وقد يردع البعض، لاسيما أن صياغته ستكون فضفاضة بحيث تنطبق على كل من تريد السلطة اصطياده، لكن السؤال الذي لابد لمجلس النواب أن يعرضه على السلطة التنفيذية بكل وضوح: كم سجن جديد نحتاج إلى بنائه؟

إعلان

إعلان

إعلان