لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

السحر والشعوذة في السياسة المصرية!

السحر والشعوذة في السياسة المصرية!

محمد شعير
09:59 م الخميس 06 يوليو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

احتاج عادل إمام إلى ثلاثين حلقة، وميزانية ضخمة، ومؤثرات وخدع ليقول لنا إن الجن والعفاريت ليسا بإمكانهما حل مشكلات مصر، أي "لا تحلموا بعالم سعيد".

ورغم أن الحديث عن عالم الجن في السياسة قد يبدو نوعا من الفانتازيا، أو كوميديا الفارس التي يجيد فيها "الزعيم"، إلا عوالمنا العربية السعيدة يبدو فيها اللامنطقي منطقيا، والخيال محدودا أمام الواقع.. وخيال عادل إمام وصناع مسلسله فقيرا أمام حقيقة ما يحدث!

حكايات الجن والعفاريت وتحضير الأرواح تبدو شيئا عاديا تماما في السياسة، في الأحداث الكبرى الحاسمة أيضا، ومذكرات السياسيين لا تخلو من إشارات دالة لعلها قد تجيب عن سؤال تخلفنا الحضاري. 

في الستينيات عندما قرر جمال عبد الناصر تأميم الصحافة ضرب أمثلة –كما جاء في المحضر الرسمي لاجتماع التأميم- بالصحافة التي تنشر الغيبيات والخرافات مشيرا إلى مقالات أنيس منصور عن جلسات تحضير الأرواح بالسلة. 

ربما لم يكن عبد الناصر نفسه يعرف أن رجاله المقربين من هؤلاء المولعين بتحضير الأرواح. يروي رياض المالكي في كتابه "ذكريات على درب الكفاح والهزيمة" أن عددا من الوزراء السوريين في دولة الوحدة، كانوا يقومون بتحضير الأروح، وأن فاخر الكيالي أحد الوزراء قال: "إننا نعمل في القاهرة مع بعض الوزراء المركزيين على عقد جلسات تحضير الأرواح، وإن هذه مسألة علمية لا شك فى جديتها، والسلطات العليا في القاهرة يهتمون بها ويمارسونها، وهي تساعدهم على حل عقد كثيرة في شؤون السياسة والحكم!"

وفى أعقاب انقلاب القصر الذى قام به أنور السادات في 1971 ضد رجال عبد الناصر، كتب محمد حسنين هيكل مقالًا اعتبره الكثيرون صدمة بعنوان "تحضير الأرواح" حول انشغال كبار رجال عبدالناصر بتحضير الأرواح لمعرفة مستقبلهم السياسي، وكيف يتصرفون مع السادات، وكيف يحررون سيناء؟ وكان الوسيط الروحي د. رؤوف عبيد ـ الأستاذ بحقوق عين شمس، وقد سجلت أجهزة الأمن تفاصيل هذه الجلسات وأرسلها السادات لهيكل الذى تردد في نشر تفاصيلها، واستشار توفيق الحكيم الذى أخبره أنه لو نشر هذه التفاصيل في عمل مسرحي لقيل إنه شرب نهر الجنون كله!

السادات نفسه كان بارعا في قراءة الكف، وكانت إحدى وسائله في التقرب إلى عبدالناصر، عبدالناصر نفسه كان يلجأ إلى تحضير الأرواح حسبما ذكر حلمى سلام، ونشرت مجلة المصور (مارس 2009) على لسانه أن منزل عبد الحكيم عامر كان المكان الذى تتم فيه جلسات تحضير الأرواح باعتبار أن بيت عبد الحكيم كان مؤمنا من رقابة القلم السياسي بسبب صلة القرابة التى تربطه بحيدر باشا.

وبعد هزيمة 67 انشغلت مصر على مدى أسابيع بمعجزة ظهور العذراء، والتي ركزت عليها كافة الصحف، وتم تفسيرها في ذلك الوقت بأنها بشارة لتحرير سيناء، وانتقد المفكر السوري الشهير صادق جلال العظم هذه الظاهر الغيبية في كتابه "نقد الفكر الديني" والذي صودر فور صدوره، كما منع هو شخصيا من دخول مصر لسنوات طويلة. 

أما الرجل المحير في السياسة المصرية حسن التهامي الذى كان أحد الضباط الأحرار، ومستشارا سياسيا لعبد الناصر ونائبا لرئيس الوزراء في عهد السادات، وسافر معه إلى كامب ديفيد للتحاور مع الإسرائيليين.. يصف أحمد بهاء الدين التهامى بأنه " شخصية غريبة الأطوار، كان من زملاء عبد الناصر في حركة الضباط الأحرار، وكان مشهوداً له باستقامته الشديدة وأمانته المطلقة وحدّة شخصيته وتدينه، وقد انقلب هذا التدين إلى "دروشة" شديدة وأنه أصبح يعتقد أنه رجل مكشوف عنه الحجاب، فكان يحدث أن يكون جالساً بين أصدقائه ثم ينهض فجأة ويقول بصوت مرتفع "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته". 

أما السبب فسريعاً ما يفسره هو بقوله إن سيدنا الخضر قد مر أمام الجالسين وألقى السلام، ولكن لا يراه ولا يرد عليه السلام إلا من كشف عنه الحجاب فقط". وبعد تولى السادات منصب الرئيس قربه السادات إليه وكان يقول عنه: "فيه شيء لله.. ومكشوف عنه الحجاب".

وقد سافر مع السادات إلى كامب ديفيد وكان " فاكهة المباحثات"، وخصص له الدكتور بطرس بطرس غالي جانبا كبيرا في كتابه "طريق مصر إلى القدس" باعتباره رجلا مثير للاهتمام بحركاته وتصرفاته الغريبة.. يكتب غالى: "في الصباح طلع علينا ساعة الإفطار ليعلن أنه أمضى الليل كله في الاتصال". وتساءلنا "مع من؟". ليجيب: بأن الرسالة السماوية أكدت أن السادات يسير على الطريق الصحيح. وكان حديثه دائما في المباحثات عن التصوف وعن تفسير الأحلام وينتقل إلى القصص والروايات ويحكي كيف حل مشكلة المسلمين في الفلبين، وكيف استطاع أن يؤجل قيام الثورة في الملايو لمدة ثلاث سنوات، وكيف عالج نفسه من السم الزعاف الذي دس له في الطعام أثناء زيارته لدولة عربية.. فانسحب إلى غرفته يتلوى من الألم وأغلق عليه الباب بالمزلاج لمدة ثلاثة أيامٍ لا يأكل ولا يشرب، وراح يعالج نفسه بترياق السموم الذي يحمله دائماً معه. ثم يتكلم عن فوائد العنبر الذي يستخرج من كبد الحوت وقام التهامي بتوزيع قطع صغيرة من العنبر على أعضاء الوفد المصري، شارحاً بأن علينا إذابتها في الشاي وبأنها ستمنحنا القوة على مواجهة الإسرائيليين"، والغريب أنه حاول اقناع غالى باعتناق الإسلام، فمثل هذا القرار في هذا التوقيت هذا ستكون له قيمةٌ رمزية عظمى لمستقبل الشرق الأوسط. ولكن غالى تهرب منه بدبلوماسية قائلاً: "إن مثل هذا القرار الحاسم يحتاج إلى مداولاتٍ كثيرة". وعندما علم السادات بمحاولة التهامى اقناع غالى بالإسلام ضحك، وقال: "لا تقلل من شأن بطرس يا حسن، إنك ستهتدي إلى المسيحية قبل أن يهتدي هو إلى الإسلام!"

هكذا لم يغب حديث الجن والعفاريت من صناعة السياسة، وفى أحداثها الكبرى، وأصبحت كتب مثل: "شمس المعارف الكبرى"، أو "اللؤلؤ والمرجان في تسخير ملوك الجان"، دستورا لحكام عرب، بل أهم من الدستور في معظم الأحيان.

أشتاتا أشتوت.. يجعل كلامنا خفيف على الساسة قبل العفاريت!

إعلان

إعلان

إعلان