إعلان

يا حكومة .. غُلب حماري !!

يا حكومة .. غُلب حماري !!

عصام بدوى
08:05 م الأحد 06 أغسطس 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - عصام بدوي:

ليس بغريبٍ، أن توافق مصر على عرض تقدمت به إحدى الشركات المصدرة لجلود الحمير منذ فترة، لتصدير 10 آلاف حمار حيّ إلى الصين، حيث علل مسئولو الزراعة والممثلة في الهيئة العامة للخدمات البيطرية، أن ذلك الإجراء سيحد من مخالفات ذبح الحمير، وتداول لحومها لتصل في النهاية إلى معدة المواطن.

المسئولون في مصر اعتادوا دائما معالجة الأخطاء بأخطاء أكبر، فهم أيضا من وافقوا في العام الماضي على تصدير 100 ألف طن رمال سيلكا لتركيا سنويا، وهي الدولة التي تُصنّفها مصر تحت بند دول ترعى الإرهاب، معللينَ ذلك باتّجاه مصر للتصدير وحاجتها للعملة الصعبة.

لكن هذا لا يبرر على سبيل المثال، التفريط في الاحتياطيّ الموجود من هذه الرمال، والّذي يقدر بنحو 27 مليون طن بمناطق "جبل يلق والمنشرح والحلال" في شمال سيناء وحدها.

وبحسبة بسيطة، فإنّ تصدير هذا الاحتياطيّ لن يعود على مصر سوى بمبلغ لا يتجاوز نصف المليار دولار، ثم نعود ونستوردها في صورتها المصنعة كالزجاج والبلور بمبالغ تتجاوز الـ 100 مليار دولار، بينما تستطيع الحكومة عقد اتفاقيات مع الدول المستوردة لإنشاء مشاريع لاستخراج تلك الرمال وتصنيعها في صورها النهائية، وبذلك نكون قد استفدنا بمواردنا الخام خير استفادةٍ، ووفرنا عملة صعبة من جراء استيراد الزجاج والبلور، وأنشأنا مصانع جديدة، ووفرنا فرص عمل، وصدرنا منتجات أيضًا.

وما يجري على الرمال، يجري على آلاف الأطنان من الفوسفات والمولاس واليوريا، والّتي يتم تصديرها عن طريق موانئ مصر بشكلٍ يوميّ، رغْم الفجوة التي تعيشها الأسواق المحلّية بالنسبة للمنتجات التي تصنع من تلك المواد الخام كالأسمدة، وأكثر من 30 منتجًا يتم تصنيعه من المولاس (أحد مخلفات محصول قصب السكر).

وللأسف لم يفكر أيُّ مسئولٍ، خاصة في وزارة الزراعة، لماذا هذا الإلحاح المستميت من الصين على استيراد الحمير من مصر؟ قبل الموافقة على تصدير هذا الحيوان، الذي يعد من أهم أدوات الفلاح في زراعة الأرض.. يحرث ويسقي وينقل كسيارة ذكية لها ذاكرة حديدية في استرجاع الأماكن.

ولم يفكر أي مسئول في مصر أيضًا، لماذا قامت إسرائيل باتصالات سرية مع عدد من الشركات اليمنية منذ عدة أعوام، لاستيراد ما يزيد على 50 ألف حمار، عبر تهريبها من اليمن إلى أحد البلدان العربية، التي تقيم علاقاتٍ اقتصاديّة مع إسرائيل، وذلك بعد أن رفضتْ مصر تزويدها بالحمير، حيث سبق لإحدى الشركات الإسرائيلية أن طلبت استيراد 100 ألف حمار من مصر في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، والتي تمتلك مصر منها ما يقرب من 2.5 مليون، معظمها في محافظات: المنوفية، بني سويف، دمياط، الغربية، المنيا.

والجواب يكمن في مستحضر «إيجياو»، الذي كان يستخدم كدواء مخصص للأسرة الملكية في الصين، حيث يعتقد أن حبوبه باهظة الثمن تصنع من مادة الجيلاتين الموجودة في جلود الحمير، والتي تُعتبر مثيرة للشهوة الجنسية، ومع زيادة الطبقة الوسطى في الصين، وزيادة الدخل والتسوّق عبر الإنترنت، ارتفع الطلب على "إيجياو" بشكل كبير.

ويصل ثمن بيع كيلو جرام واحد من الـ«إيجياو»، إلى 375 دولارا، بحسب ما قاله مايك بيكر، المدير التنفيذي للمنظمة الدولية للرفق بالحيوان "دونكي سانكتشري" أي (ملاذ الحمير).

وتستخدم جلود الحمير أيضا في استخراج أدوية لمنع ظهور أعراض الشيخوخة وعلاج الأرق، وأدوية أمراض الدورة الدموية والدوار وعدم انتظام الدّورة الشهرية لدى النساء، كما ينتج منها أدوية منشطة للدم، وأدوية وقف نزيف الدم الشديد، وأيضا علاج فقر الدم أو انخفاض عدد خلايا الدم وكريمات لقرحة الساق.

ويتم سنويا تداول ما لا يقل عن 1.8 مليون من جلود الحمير، ولكنْ من الممكن أن يصل الطلب في الصين سنويا إلى 10 ملايين من جلود الحمير، وبسبب انخفاض أعدادِ الحمير في الصين إلى النصف تقريبا، أي حوالي 6 ملايين، على مدار السنوات الـ25 الماضية، وجهت الصين أعينها إلى أفريقيا، التي تضم نحو ربع أعداد الحمير حول العالم، أي حوالي 11 مليون حمار، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو).

وكشفت منظمة "دونكي سانكتشري"، أنه يتم إعدام الحمير بصورة غير قانونية في كثير من الدول، لتلبية الطلب المتزايد من جانب الصين، ومن بين تلك الدول، جنوب أفريقيا ومصر وتنزانيا، بينما يُحذّر نشطاءُ الدفاع عن الحيوان من أن ارتفاع الطلب على الجلود سيؤدّي إلى هلاكِ القسم الأكبر من الحمير، فمحاولات تربية الحمير غير ناجحة إلى حد كبير، بسبب معدلات الخصوبة المنخفضة بينها.

وتنتشر تجارة الحمير في أنحاء مصر، ويُعدُّ سوق "إسنا" في محافظة الأقصر، الأهم لأنه يعرض أفضل الأنواع، أمّا سوقا "بشتيل" و"لعبة" في محافظة الجيزة، هما الأشهر بين المواطنين.

وتصل صادرات مصر من جلودِ الحمير إلى نحو 8 آلاف جلد سنويا، وتنتج من الحمير التي يتم إعدامها، لتتغذى عليها الحيوانات المفترسة في حديقة الحيوان بالجيزة أو في السيرك القومي القريب منها، لكنَّ هناك إحصائيّاتٍ أخرى غير رسمية تقدر الصادرات بنحو 120 ألف جلد حمارٍ سنويًّا عن طريق التهريب وتحت مسميات مختلفة.

وتوجد في مصر شركة وحيدة مُرخّص لها بتصدير جلود الحمير للخارج، لكنَّ هناك العديد من الأشخاص يصدرون هذه الجلود بشكلٍ عشوائيٍّ، نظرًا لأنّها تجارةٌ رائجةٌ، حيث يتم تصدير جلد الحمار بنحو 70 دولارًا إلى الصين، بينما يُقدّر البعض حجم مبيعات مصر من جلود الحمير ما بين 600 إلى 700 مليون جنيه سنويًّا، فى حين يبلغُ حجم مبيعات المنشطات الجنسية فقط في مصر ما يتجاوز المليار و200 مليون جنيه، والتي يتم استيراد أغلبها من الصين، بعيدًا عن الأدوية الأخرى التي تُصنّع من جلود الحمير.

والسؤال للمسئولين، المنوط بهم إدارة ثروات مصر، مهما كانت: "هل نُصدّر ثرواتنا في شكلها الخام، ونخسرها عشان نكسب قليل، ولا نصنّعها ونحافظ عليها ونكسب كتير"؟.

إعلان

إعلان

إعلان