- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
لا حديث لأهل قريتنا هذه الأيام إلا عن سعد. كلهم لا يصدقون أنه رحل فجأة وتركهم وأنهم شيعوه إلى مثواه الأخير. وكذلك كانت الحال قبل أشهر قليلة حين أصابهم الذهول بعدما خطف الموت عبدالخالق الذي عاد لتوه من حياة الترحال ليستقر بينهم.
كانت جنازة سعد مثلما كانت جنازة عبدالخالق، موكب وداع حاشد ومظاهرة حب مهيبة امتزجت فيها الذكريات بالدموع، وترك رحيلهما المباغت فراغا شاسعا وجروحا نازفة في قلوب المحبين.
كان سعد حتى يوم رحيله يملأ الدنيا طيبة وبهجة وابتساما، كان فلاحا يقدس أرضه وعمله وعرقه ويعشق بيته وأهله وجيرانه وقريته، ورث كل هذا عن أبيه إبراهيم سعد، أمهر فلاح في قريتنا وصاحب الحصاد الأجود من القطن والقمح.
حين يتذكر الناس سعد لا يجدون أنه أغضبهم يوما أو أساء لأحدهم. وإنما يتذكرون صدقه وإخلاصه واجتهاده وروحه المرحة ومساعدته لهم ونصائحه السديدة. كان دائما معهم وهم يزرعون أو يحصدون، حين يضحكون أو يبكون، معهم في أفراحهم وجنائزهم، في حقولهم وبيوتهم.
كان أهل قريتنا لا يجدون من هو أفضل ولا أصدق من سعد لكي "يفرق الحد" بين الجار والجار، وهذا عمل يحتاج إلى حدة نظر ونزاهة ضمير.
كان سعد كبير إخوته الذي اختار أو اختارت له الأقدار أن يزرع هو الأرض ويملأ الفراغ الذي تركه رحيل والده، وكان بالنسبة لإخوته "شمعة البيت ونوارة الغيط". كان زكريا يحب أن يشرب من يده شاي "الراكية" على "راس الغيط"، فيداعبه قائلا: يا سعد الدور ده خفيف، ولّع واعمل دور تاني.
حرص على تعليم أبنائه جميعا مع أنه لم يذهب للمدرسة إلا بضع سنوات. لكن درايته وخبرته في الزراعة فاقت الجميع متعلمين وغير متعلمين.
في يوم جنازة سعد بكى الكبير والصغير والنساء والرجال من هول الصدمة، واحتشد أهل القرية جميعا لتشييعه، مثلما احتشدوا في سرادق عزائه.
المشهد المذهل حقا أن السواد الأعظم من هؤلاء كانوا مسلمين، بينما كان سعد مسيحيا. كلهم قالوا في سعد كلمات أحلى من الشعر وهم ليسوا شعراء، ولم لا؟ فقد كان من بينهم من يناديه دوما يا خال سعد أو يا عم سعد أو يا واد يا سعد. أحد هؤلاء جاره الحاج علي الذي حدثني عن سعد والدموع في عينيه قائلا: ده احنا اللي مربيينه من ساعة من كان عيل صغير.
قبل أشهر كان سعد معنا في جنازة الدكتور عبد الخالق منتصر، عالم مصر الجليل الذي ودعته قريتنا بعدما غيبه الموت إثر مرض مفاجيء وهو لم يبلغ بعد سن المعاش. كان الدكتور عبد الخالق أكبر من سعد بأربع سنوات أو خمس، وجمعت بينهما خصال عديدة، البساطة والوجه الباسم المشرق ومساعدة الناس ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم.
رغم كثرة سفر الدكتور عبد الخالق وهو الأستاذ في علم الحيوان بمعهد بحوث صحة الحيوان التابع لوزارة الزراعة، لم يكن يغيب عن أهل بلده. فالرجل كان يسافر دوما إلى بلاد القارة الإفريقية بطولها وعرضها وكل بضعة أشهر يأتي إلى مصر أسبوعًا يقضيه بين أهل قريته.
في هذا الأسبوع الضيق يسأل عن الكبير والصغير، يزور المرضى وكبار السن، يساعد المحتاج، يحضر زفافا أو عزاء. وفي كل جنازة كنت أراه فيها يحرص على أن يشارك بنفسه في حمل الميت، وذات مرة حاولت أن أحمل عنه فهمس لي: دي أمانة.
لم تكن تمنعه انشغالاته من الاتصال ليقول مهنئا: كل عام وأنتم بخير.
فرح الجميع حين علموا أن الدكتور أنهى بحثه الأخير، وسيعود من عمله في إفريقيا إلى القرية هذا الصيف ليبقى معنا ويستأنف عمله في القاهرة. نعم فرحوا لأنها فرصة كي يشبعوا من رجل طالما اشتاقوا إليه وافتقدوا كلامه المرح وضحكاته الصافية ولقاءه الذي يفيض بأحلى مشاعر الود.
لم يكد يستقر عبد الخالق حتى هاجمته آلام المرض واختاره سهم الموت ووجدنا أنفسنا فجأة في جنازته. ضاق المكان بالأهل والمحبين، وسارت الجموع تحيط بالجثمان وهي لا تكاد تصدق.
المشهد ذاته تكرر مع سعد، وبعد أن كان معنا مشيعا لعبدالخالق صار بيننا محمولا على الأعناق.
سعد وعبدالخالق رجلان من قرية واحدة، مسيحي ومسلم، جمع بينهما الموت واجتمع عليهما حب الناس. وصدق صديقي إبراهيم حين كتب عن سعد قائلا: قد يفنى الجسد ولكن تبقى الذكرى الطيبة، فهو من أهل بيت جميعهم على خلق ومحترمين، وحبنا لهم أكبر رسالة بأن الأخلاق هي التي تحدد شخصية الإنسان وليس دينه.
هذا المشهدان المتماثلان بقدر ما يجسدان حجم الأحزان، بقدر ما يكشفان معدن أهلنا الطيب، ويؤكدان أن ما يجمعهم ضارب بجذوره في القلوب والدماء والتاريخ، وأن مشاعر الحب وطهر النفوس وطيب العشرة أسمى وأنقى وأعمق من كل ظواهر عارضة دخيلة تدعو للتفرقة أو التمييز.
· رئيس تحرير في قناة الغد العربي
إعلان