لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

رائع.. أنا لا أبالي

عبدالله حسن

رائع.. أنا لا أبالي

عبدالله حسن
10:52 م الأربعاء 25 أبريل 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أغلقت هاتفي، وامتنعت عن الحديث لمدة أيام.. شعرت للحظة بأنني لن أتحرك إذا انهار العالم أمامي.. هذه التجربة القاسية كانت فارقة في عمري.. كنت قد قرأت قديماً عن مرض يشبه هذا.. وشاهدت صوراً لعازفي موسيقى أثناء الحرب.. صورة أخرى لفتاة تضحك أثناء احتراق منزلها.. واتهمتهم كثيراً بمرض اللامبالة، فلم أكن أتصور في يوم من الأيام أنني سأصاب بنفس المرض..

تجربة هي أشبه بالموت.. هنا في اللاشىء.. اكتشفت أن العالم مزدحم إلى حد الفراغ.. أتيت إليه وحيداً.. وسأذهب منه وحيداً..

أنا هنا، ولست هنا.. أنا موجود لكنني غائب..

لم يتذمر الكثيرون كما كنت أتوقع.. بعضهم بل أكثرهم لم يلاحظوا غيابي.. حارس العقار ظن أنني مسافر.. عامل الجراج ارتاح من غسيل سيارتي يومياً.. أصدقائي أو من تبقى منهم، أعتقد أنني مشغول في نظم قصيدة جديدة، ولا داعٍ لإزعاجي.. وربما لم يتذكرني أي منهم.. أدركت أنني لست بهذه الأهمية التي كنت أعتقد بها.. أدركت أنني لست مهماً حتى إلى درجة الملاحظة..

أهكذا الموت؟.. تساءلت وأنا ألقي بنفسي على السرير غير المرتب.. قصائدي.. كتبي.. استثمار ليس في محله إذن.. أصدقائي؟.. حبيبتي؟؟.. كل من أضحكتهم يوماً ما.. من أبكيتهم أيضاً.. عدم؟..

إنه أنا فقط.. وأنا قتلت نفسي مرات عديدة.. نعم يداي ملطختان بدمائي.. أنا من قتلت الطفل يوم وقفت أمام المرآة أتساءل متى سَتنبُت لحيتي؟.. أنا من قتلت نفسي حينما قبلت أن أتقبل طعنات الآخرين بصمت وادعاء بطولة.. أنا من قتلت نفسي حينما تكلمت وقت ما كان من المفترض أن أصمت.. وصَمُت حينما كان لابد من الكلام ..

هكذا إذن "تُنسى كأنك لم تكن" كما قال محمود درويش.. لا أعلم إن كان أتاني النوم لحظتها أم أنني انتقلت إلى عالم آخر، وأنا على سريري ..

اليوم التالي لم يكن أكثر حظاً مما سبقه، لكنني قررت النزول.. قررت أن أرى الشوارع والبائعين.. قررت أن أثبت لنفسي أن هناك ثمّة حياة هنا.. على هذا الكوكب وفي هذه المدينة وفي هذا الشارع.. تركت شعري دون مساس ولحيتي غير المهذبة، وسرت إلى الشارع لم يتعرف علي أحد.. لم يستوقفني أحد ليقول لي أنت تدهشني بقصائدك.. لم يطالعني أي شخص.. ولم يرغب أي شخص بالاقتراب مني.. أتذكر من شهر فقط، خرجت هرباً من الباب الخلفي للمسرح لأجد أكثر من 300 شخص يستوقفونني لأخد صورةٍ تذكاراً.. ضحكت جداً، ضحكت بالفعل.. بدأت بالسير ثم الركض.. كنت أصرخ بداخلي، وأريد أن أستوقف كل المارة لأقول لهم إنني هنا.. أنا حي.. أنا موجود..!! وهذا أيضاً ليس من اهتمامهم.. فما الفارق في الدنيا إن كنت هنا أو هناك.. ماذا سيتغير؟؟.. الشمس في مكانها.. الباعة في مكانهم.. السيارات في مكانها.. الدنيا تدور.. الليل يسبقه النهار أو العكس.. ماذا تريد؟؟.. من أنت ليتوقف كل هذا الكون لأجلك.. من أنت لتقف الدنيا عليك.. أدركت أن وجودي يعني لا وجودي، وأن الساعة لن تتوقف..

إذن هو سباق نحو هاوية لا ندرك خطورتها رغم أننا نعلم تمام العلم بوجودها.. أعتقد أنني يومها أُصبت بهذا المرض الرائع.. أنا لا أبالي.. أنا لا أهتم .. أنا لا أحد..

إعلان

إعلان

إعلان