لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

عبقرية المتنبي والعقاد

عبقرية المتنبي والعقاد

د. أحمد عبدالعال عمر
09:05 م الأحد 29 أبريل 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يظل الأستاذ عباس محمود العقاد في منظوري الشخصي، هو أكثر المفكرين والكتاب قدرة على فهم دخائل العظماء والأبطال، وامتلاك مفاتيح شخصيتهم، والكتابة عنهم، والترجمة لحياتهم ببراعة فائقة تجمع بين ذائقة النحل في الانتقاء، وصبر النمل في التحليل، وإعادة بناء ورسم وإبراز مقومات وسمات الشخصية.

ويكفي أنه صاحب سلسلة العبقريات الشهيرة، التي كتب فيها عن سيدنا محمد (ص)، وعن الخلفاء الراشدين عُمر وأبي بكر وعثمان بن عفان والإمام علي رضوان الله عليهم، وعبقرية المسيح. كما كتب عن عمرو بن العاص وخالد بن الوليد، وعن أعظم شخصيات التاريخ الأدبي والسياسي في الشرق والغرب، مثل أبونواس، وابن الرومي، وأبوالعلاء المعري، وشكسبير، وسعد زغلول، وغاندي، وبنجامين فرانكلين، وغيرها من كتب وتراجم شخصية برهنت على عظمة وعبقرية الأستاذ العقاد ذاته.

ولهذا تطلعت دائماً للوقوف على رأي الأستاذ العقاد في أعظم شعراء العرب أبوالطيب المتنبي؛ لأن كليهما صاحب عقل قلق، عظيم الثقة في النفس، مفرط في الاعتزاز بذاته ومواهبه وقدراته، كما أن كلاً منهما كان علامة مميزة في عصره، وشغل الناس من بعده بشخصيته وحياته وأعماله.

وعلى الرغم من أن الأستاذ العقاد لم يُفرد للمتنبي كتاباً خاصاً به، يدرس فيه سيرته وشعره، كما فعل مع أبي نواس وابن الرومي، فقد تكلم عنه في كتابه "مطالعات في الأدب والحياة"، فقال: "الحقيقة أن المتنبي جهل نفسه، ولم يكن صادق النظر في أمله، فأضله الأمل الكاذب عن كنه قدراته وطبيعة عظمته، وأحس في نفسه السمو والنبالة، فظن أن السمو لا يكون إلا بين المواكب، وأن النبالة لا تصلح إلا لذي تاج وسلطان وصولجان وعرش وإيوان، فطلب الرجل الملك جادًا في طلبه، وجعل الشعر آلته ريثما يبلغه، فبقيت الآلة الموقوتة، وذهبت الغاية المطلوبة. وظل يسعى طول حياته إلى شيء، وأراد الله به شيئًا آخر. فأحسن الله إليه من حيث أراد هو أن يسيء إلى نفسه، فهو اليوم أظفر ما يكون خائباً، وأخيب ما يكون ظافراً؛ ليس بملك ولا أمير ولا قائد ولا صاحب جاه، ولكنه فخر العرب وترجمان حكمتهم، والرجل الفرد الذي نظم في ديوان واحد ما نثرته الحياة في سائر دواوين التجارب والعظات".

وفي هذا المقطع الذي بلغ الكمال في التكثيف والإيجاز، ودقة وجمال التعبير، لخص الأستاذ العقاد حياه المتنبي وسر عبقريته، وما أراده لنفسه من أدوار سياسية وتنفيذية وجاه وسلطان، وما قدره له صاحب الأقدار، وهو أن تكون عظمته في فكره وإبداعه وديوانه الشعري.

وأظن أن هذا الاستنتاج كان هو درس حياة المتنبي الذي استوعبه جيداً الأستاذ العقاد، فجعل الفكر والأدب قاطرته على طريق السمو والمجد، واستغنى بفكره وأدبه عن كل منصب وجاه، وكل صاحب سلطان، فعاش ومات عظيماً في نفسه وعند أبناء عصره، وسيظل كذلك في نظر الأجيال المقبلة.

رحم الله شاعر العرب الأول أبا الطيب المتنبي، الذي ملأ النصف الأول من القرن الرابع الهجري حكمة وهديراً شعرياً، لا يزال صداهما يتردد إلى اليوم، ويكفيه أنه القائل: "يَهُونُ عَلَيْنَا أنْ تُصابَ جُسُومُنَا، وَتَسْلَمَ أعْراضٌ لَنَا وَعُقُولُ". ورحم الله الأستاذ العقاد الذي جسد في ذاته وسلوكه وأعماله الكثير من معاني العبقرية، كما جسد أسمى صور الترفع عن صغائر الناس والأحداث، واحترام النفس، وكبرياء وشموخ واستغناء العلماء.

إعلان

إعلان

إعلان