لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

انتخابات من حولنا

انتخابات من حولنا

عمرو الشوبكي
09:00 م الخميس 10 مايو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

سيشهد العالمان العربي والإسلامي في هذا الشهر خمس تجارب انتخابية، أحدها بلدية جرت في تونس والثانية تشريعية جرت في لبنان، أما الثالثة فهى انتخابات برلمانية ستجري يوم الأحد القادم في العراق، هذا البلد العربي الذي يعاني من إرهاب احتل مناطق ومدنًا، وانقسامًا مذهبيًا هو الأسوأ في العالم العربي، ومع ذلك لم يؤجل انتخاباته المحلية أو البرلمانية ولم تعرف نتيجتها من "الكنترول" بأن عرف الناس اسم الرئيس أو الحزب الحاكم قبل بدء الانتخابات، كما شهدت ماليزيا انتخابات تشريعية حصل زعميها التاريخي ومؤسس نهضتها (واحد من أقوي 10 اقتصاديات على مستوى العالم) مهاتير محمد على أغلبية مقاعد البرلمان رغم أنه ترك السلطة في 2003 وانتقل إلي صفوف المعارضة وتجاوز عمره التسعين عامًا ليدحض نظرية الكلام الفارغ التي تتردد أحيانا في مصر عن تحديد سن للترشح في انتخابات الرئاسة وهو أمر لم يعرفه أي بلد أخر في العالم، كما ستجري انتخابات رئاسية في تركيا الشهر القادم ومن المتوقع أن تشهد منافسة حادة مع الرئيس التركي أردوجان.

والحقيقة أن كل هذه التجارب ليست تجارب ديمقراطية كاملة وبعضها يعاني من مشكلات سياسية وطائفية عميقة وشهد حروبًا أهلية (لبنان) ويشهد عنفًا سياسيًا ومذهبيًا وإرهابًا عنيفًا بـ(العراق)، وظلت تونس تجربة نجاح حذر وحيدة في عالم عربي مضطرب ومأزوم.

أزمات بعض هذه الدول والعنف والإرهاب الذي اجتاح بعضها الآخر، لم يحل دون إجرائها الاستحقاق الانتخابي، وقدمت رسائل لنا ولغيرنا بأن العملية السياسية لا يجب وقفها بسبب الإرهاب ولا بسبب سوء أداء النخبة حتى لو لم تحل الانتخابات أزمات هذه الدول إنما لن تفاقمها وستفتح الطريق الآمن لحلها.

في لبنان تغير جزئيا ميزان القوى لصالح حزب الله وحلفائه بعد أن حصلوا على 67 مقعدًا من بين مقاعد البرلمان الـ128، وهو ما يعني أن خطاب الاستقرار الذي يمثله تيار المستقبل خسر جانبًا من قوته رغم ضيق تيار واسع من اللبنانيين من هيمنة حزب الله على القرار الأمني والسياسي في البلد، إلا أن الأخير نجح في أن يربط هيمنته على لبنان بالسلم الأهلي الذي يعيشه، وهو أمر لم يفهمه كل من يحاول أن يقلب الأوضاع رأسًا على عقب دون تقديم معادلة سلم بديلة، وهي الصورة التي بدا عليها تيار من السنة مدعومًا من السعودية وهو ما أدي إلي خسارته المواجهات غير الانتخابية مع حزب الله وخسر أيضا المعركة الانتخابية.

أما تونس، فالمؤكد أنها تجربة التحول الديمقراطي الوحيدة في العالم العربي، فقد امتلكت دولة وطنية قوية وعملية سياسية تتقدم رغم الصعوبات الكبيرة وشهدت انتخابات برلمانية ورئاسية ومحلية كما تقول "كتب النجاح".

انتخابات تونس المحلية شهدت مفاجأة فوز المستقلين الذين حصلوا على حوالي 32% من أصوات الناخبين، في حين حصلت حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية على 28% متقدمة على حزب نداء تونس أكبر الأحزاب المدنية الذي حصل على حوالي 22%.

وقد أثرت الانقسامات التي شهدها حزب نداء تونس على نتائجه في الانتخابات المحلية في حين حافظت النهضة على تماسكها التنظيمي رغم الخلافات الحادة التي تشهدها.

نجاح تجربة تونس ارتبط بدمج حركة النهضة داخل معادلة الدولة الوطنية والدستور المدني والنظام الجمهوري، لأنها لم تعد جزءًا من تنظيم الإخوان وأسست حزبًا سياسيًا لا تحركه من وراء الستار جماعة دينية مثلما حدث مع حزب الإخوان في مصر.

ولذا لم يكن غريبًا أن يقبل أغلب التوانسة بثقافتهم العلمانية وانفتاحهم على أوروبا حركة النهضة داخل المسار السياسي القانوني حتى لو اختلفوا مع توجهاتها، لأنها احترمت قواعد اللعبة السياسية وبات من شبه المستحيل أن تنقلب عليها في ظل بلد يعرف تقاليد مدنية ونقابات عمالية ومجتمعًا مدنيًا قويًا، ورأيًا عامًا فاعلًا.

وما زال من غير المتوقع أن تحصد النهضة في المستقبل المنظور أي أغلبية مطلقة في البرلمان أو البلديات (50 + 1) إلا عقب أن يخرج جيل جديد يتجاوز بشكل كامل فكريًا وسياسيًا (وليس فقط تنظيميًا) تراث الإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي، ليصبح حزبًا مدنيًا مرتبطًا حضاريًا وثقافيًا بالإسلام (ليس كأيديولوجية أو عقيدة سياسية) مثل التيارات والأحزاب الديمقراطية المسيحية في الغرب.

إن نجاح تجربة التحول الديمقراطي في تونس مقارنة بمصر يرجع لعوامل لم تهبط من السماء إنما هو نتاج تفاعلات جرت على أرض الواقع وأداء نخب سياسية أكثر حرصًا على المصلحة العامة وقبولاً للتنوع ورفض الإقصاء، وفروقات في نسب الأمية (الثلثين في مصر و15% في تونس) وفي طبيعة الطبقة الوسطي، وفي أن التعليم الحكومي في تونس يظل حتى الآن هو الأفضل بين كل البلاد العربية غير النفطية.

الانتخابات لا تحل كل مشاكل الشعوب، لكن الاستبداد يعمقها، فالانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية دليل حياة وباب أمل لإمكانية تداول السلطة حتى لو كان البديل ليس جيدًا إنما هو يضع الناس على أول طريق الخيار الجيد، ويكسر ثقافة الخنوع والنفاق التي تكرسها السلطة الأبدية والمطلقة ويفتح الطريق للمبادرة والإبداع.

علينا في مصر ألا نخشى الانتخابات ولا نتائجها وأن نثق في الشعب وفي قدرته على التعلم مثل كل شعوب الأرض، بشرط التزام الجميع بالدستور المدني والنظام الجمهوري، وألا نهدم مسار الانتخابات ونتائجها لأن نظم "الهندسة السياسية" اختفت من معظم بلاد العالم بعد خلفت كوارث حتى لو غلفتها بانتصارات مزعومة.

إعلان

إعلان

إعلان