لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

هل مازلنا نفرح في العيد؟

هل مازلنا نفرح في العيد؟

د. جمال عبد الجواد
09:02 م الجمعة 24 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لم أعد ألاحظ فرحة العيد على الوجوه كما كنت ألاحظها في الماضي. هناك شيء في الأمر يتعلق بي شخصيا، وبالتقدم في العمر، وما يأتي معه من حالة "لقد رأيت هذا قبل ذلك"، وما يصاحبها من ملل وفقدان للحماس. لكن هناك في الأمر أشياء حقيقية تتعلق بما يحدث من تغيرات في المجتمع والثقافة. أتحدث عن أبناء الطبقة الوسطى الذين أعرفهم جيدا، وأظن أن الحال لا يختلف كثيرا في الطبقات الأعلى. كان العيد في الماضي يأتي جالبا معه أشياء لا تحدث طوال العام، وكان هذا هو سر فرحتنا المضاعفة به. لقد تغير كل هذا الآن، وأصبح من الممكن لكل شيء وأي شيء أن يحدث في أي وقت من أوقات العام، ولم يعد للعيد أن يتباهى بما يجلبه لنا من أشياء لن نراها إلا مع زيارته التالية بعد عام كامل.

ملابس العيد الجديدة كانت حدثا يتسلح له الآباء بالمدخرات، ويستعد له الأبناء بالتطلعات والأحلام. كان البعض يشتري الملابس الجديدة مع قدوم كل عيد، فيما الكثيرون يكتفون بشرائها في العيد الصغير، ويحفظونها في أكياسها بين العيدين، لتبدو كالجديدة في العيد الكبير التالي. لم تتخل الطبقة الوسطى عن عادة شراء الملابس الجديدة في الأعياد، لكنها أصبحت تشترى الجديد من الملابس في أي وقت طوال العام، فلم يعد العيد مرتبطا بفرحة الملابس الجديدة كما كان الحال في الماضي.

اختلفت العلاقة بين الآباء والأبناء في أسر الطبقة الوسطى، وأصبح الأطفال يحتلون مكانا مركزيا في حياة الأسرة، فمن أجل رفاهيتهم يسافر الأب للعمل في بلاد النفط البعيدة، ومن أجل تعليمهم المكلف تقوم الأسرة بكل حيل كسب المال، ومن أجل إسعادهم يوفر لهم الآباء ألعابا لم تكن تأتي قبل ذلك إلا في الأعياد، فلم يعد العيد يأتي بالملابس الجديدة ولا بالألعاب أيضا.

في عرف الطبقات الوسطى، أصبح العيد مرادفا للإجازة، وبالنسبة لهؤلاء الذين امتلكوا أربعة جدران بالقرب من ساحل البحر، فإن السفر إلى هناك أصبح هو الشيء الوحيد الذي يمكن عمله في الإجازة، بحيث أختزل العيد إلى مجرد أيام إضافية نقضيها بالقرب من البحر.

في العيد الصغير كان الناس، كل الناس في كل الطبقات، يخبزون الكحك، وفي العيد الكبير يذبح القادرون من الطبقات الوسطى وما فوقها الأضاحي. كان الكحك وكان خروف العيد مبعثا لبهجة وفرحة هائلة. لم يكن للأمر صلة بالمذاق اللذيذ ورائحة الشواء الشهية، لكن بتلك الأحداث العائلية الكبرى، التي تحتوى الجميع فيشاركون فيها، في ممارسات عابرة للأجيال، وعابرة لحدود الأسر الصغيرة المستقلة، في مشهد نادر للاحتفال الجماعي. لم تعد أسر الطبقة الوسطى تخبز الكحك، كما قضى صك الأضحية على طقوس شراء الخروف وعلفه وذبحه وتوزيع لحمه. مازلنا نأكل الكحك في العيد الصغير، وفتة اللحم في العيد الكبير، لكن المذاق المفصول عن التقاليد الاجتماعية يعجز عن أن يبعث نفس القدر من البهجة.

الأرجح أن العيد له طعم مختلف كلما تحركنا على سلم التدرج الاجتماعي إلى أسفل، فالناس في الطبقات الدنيا مازالوا محرومين من الكثير من الملذات التي لا يحظون بنصيب منها إلا في العيد، الأمر الذي أبقى للعيد مذاقا خاصا يفتقده المتوسطين من الناس. لا أحسد الفقراء على عيدهم كما غنى عبد الوهاب في الماضي "محلاها عيشة الفلاح"؛ فقط ألاحظ المفارقة في ذلك الملل وتشابه الأيام الذي يأتي مع تحسن الأحوال.

إعلان

إعلان

إعلان