إعلان

الحكومة وبياناتها

د. جمال عبد الجواد

الحكومة وبياناتها

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الجمعة 29 مارس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الصحة والتعليم هما أهم الخدمات التي تقدمها الحكومة للشعب، والخطوة الأولى لنجاح الحكومة في تحسين الخدمة هو توافر البيانات. بحثت في موقع وزارة التربية والتعليم فوجدت كنزا من البيانات المنتظمة والتفصيلية التي ترجع لأكثر من خمسة عشر عاما بلا انقطاع. يمكن أن تعرف من هذه البيانات كم كان عدد التلاميذ قبل خمسة عشر سنة، وكم تلميذا جديدا أضيفوا في كل عام، حتى وصل عددهم إلى ما يقرب من 22 مليون تلميذ. يمكنك أن تعرف عدد الفصول التي يتوزع عليها هؤلاء التلاميذ، ومتوسط كثافة الفصل في كل مرحلة تعليمية وفي كل محافظة، يمكن أن تعرف نسبة استيعاب البنات، ومعدل تسرب التلاميذ، وما إذا كانت معدلات التسرب تختلف من محافظة إلى أخرى. هناك أيضا بيانات بعدد المدرسين والإداريين العاملين في المنظومة التعليمية، وتوزيعهم على المحافظات ومراحل التعليم، ونسبة المؤهلين تربويا منهم إلى نسبة غير المؤهلين.
ما زلنا نحتاج من وزارة التربية والتعليم أن تنشر لنا الإحصاءات المتعلقة بتوافر الملاعب وأدوات التربية البدنية والموسيقى والفنون في المدارس. نحتاج منها أن تنشر ميزانية التعليم، والتغيرات التي تطرأ عليها من عام إلى عام؛ وأن تزودنا ببيانات تتعلق بكفاءة العملية التعليمية، وجودة تعليم الرياضيات والعلوم والقراءة في مدارسنا. لكن كل هذا لا ينفي أن هناك جهدا كبيرا يتم بذله في جمع وتوفير البيانات وإتاحتها للمواطنين، حتى يمكننا فهم وتقييم سياسات الإصلاح، وربما المشاركة ببعض الأفكار لدعمها.
بحثت على الموقع الخاص بوزارة الصحة عن بيانات مشابهة، فكانت النتيجة صفر. موقع وزارة الصحة بيروقراطي تقني بامتياز. ستجد على الموقع الهيكل الإداري لوزارة الصحة كاملا وبالتفصيل الممل، لكنك لن تجد بيانا أو رقما واحدا. هناك إدارة تحمل اسم الإدارة العامة للاقتصاديات الصحية، تقول إنه من ضمن وظائفها "توفير المعلومات المبنية على الدليل والخاصة بدعم صياغة السياسات الصحية.. وإعداد قاعدة بيانات تشمل جميع المنشآت الصحية". ممتاز، لكن أين هي هذه المعلومات المبنية على الدليل؟ لن تجد شيئا. في وزارة الصحة كيان آخر يحمل اسم المركز القومي لمعلومات الصحة والسكان، تتبعه إدارة تحمل اسم الإدارة العامة لخدمة المعلومات والإحصاء، والتي تدعي أن من وظائفها جمع وعرض وتحليل ونشر البيانات والمعلومات. رائع، لكن أين المعلومات والبيانات؟ لن تجد أي شيء. هناك فقط بعض الأشياء الفنية التي يفهمها الأطباء، مثل استخدام أدوية معينة، وأخبار تكليف الأطباء والصيادلة، لكن أين المعلومات التي تهم عموم المواطنين والصحفيين والمختصين في السياسات والشؤون العامة والمهتمين بمتابعة ما يجري في القطاع الصحي في بلدهم. نريد أن نعرف معدلات الوفيات وأسبابها، والأمراض التي تقتل المصريين؛ نريد أن نعرف عدد الأطباء في مصر، وكم طبيبا يعملون في خدمة كل ألف من السكان، وأطقم التمريض، وعدد الأسرة المتاحة في المستشفيات، وتوزيعها على المحافظات، وحجم الإسهام الذي يقدمه القطاع الخاص في تقديم الخدمة الصحية، وكيف تقارن مصر ببلاد أخرى. نريد أن نعرف حجم الإنفاق على الصحة، ونسبته للناتج المحلي ولمصروفات الدولة. نحتاج أن نرى سلسلة زمنية من البيانات التي تغطي عدة سنوات، فمن الضروري أن نعرف ويعرف الناس أين كنا وكيف أصبحنا، وما إذا كنا نتقدم أو نتراجع.
بدون معلومات لا يوجد إمكانية لنقاش جاد بشأن ما يجري في بلادنا، والحكومة هي الجهة الوحيدة التي يمكنها جمع ونشر المعلومات، وإذا لم تفعل هذا كل هيئة ووزارة في مجالها، فسنظل مجتمعا بدائيا، تتكون آراؤنا بناء على غرائزنا وانطباعاتنا، وليس بناء على ما لدينا من معلومات.

إعلان

إعلان

إعلان