إعلان

الشماشرجي المُبدع

د. أحمد عمر

الشماشرجي المُبدع

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الأحد 21 يوليه 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"الشماشرجية" نوع عجيب من البشر. موهبتهم الوحيدة تكمن في انتهازيتهم، وقلة مروءتهم، وفهلوتهم، وبراعتهم في القرب من الكبار، وقدرتهم على اللعب على كل الحبال بحثا عن الترقي الوظيفي وتحقيق مصلحتهم الشخصية.

هم ذرية قديمة، ربما يتغير شكلهم ومظهرهم من عصر لآخر، لكن جوهرهم واحد، ودورهم ثابت منذ أول شماشرجي في دولاب العمل الحكومي عند أجدادنا المصريين القدماء، حتى شماشرجية اليوم في كل مؤسسة.

والشماشرجية لا وظيفة حقيقية لهم، غير تلطيف الأجواء حول المسئول الكبير، وأن يقول له ما يُريد فقط سماعه، وكذلك الابتسامة الدائمة في وجهه، والترفيه عنه، والتغني بقدراته المُذهلة، والاستجابة لكل رغباته وطلباته، انطلاقًا من حكمة الشماشرجية المُقدسة: "أحلام سعادتك أوامر، وشخبطة أولاد سيادتك تخطيطًا لمستقبلنا".

وللشماشرجي أيضًا دور استخباراتي في منتهى الأهمية؛ فهو قريب دائمًا من أذن المسؤول، ينقل له الأخبار والأسرار، وماذا قال فلان؟ وماذا فعل علان؟ وبهذا الدور أصبح شخصًا يتمتع بأهمية كبيرة في محيطه الوظيفي، والآمر الناهي الذي يحرص الجميع على استرضائه، لأنه بوابه عبور المعلومات والأخبار عنهم إلى السيد المسئول الكبير.

ووجود الشماشرجية في الحياة الوظيفية أمر يمكن فهمه والتعامل معه؛ فقد كان، وسوف يظل هناك دائمًا شماشرجي لكل مسؤول، ولكن يجب الحد من خطورته عبر سيطرة السيد المسئول الكاملة على الشماشرجي الخاص به، ووضعه دائمًا في حجمه الطبيعي، وتقليم أظافره، كلما حاول أن يتجاوز دوره.

ولكن الخطورة الحقيقية على أي مؤسسة هي أن تُبتلى بشماشرجي موهوب ومبدع في عمله، يستطيع أن يتملق الجميع، ويقدم لهم بشكل مميز كل أشكال الخدمات؛ فتفتح أمامه الأبواب المغلقة، ويرتقي صعودًا للقمة، حتى يصير هو نفسه المسئول الكبير.

وبصعوده الوظيفي العبثي هذا، تنحط قيمة وهيبة المنصب الذي تولاه، ومكانة المؤسسة المسئول عنها، ويكفر أغلب موظفيها بقيمة العمل والإخلاص فيه بوصفه معيارًا للصعود والترقي، ويسعون فقط لتنمية مهارتهم الشماشرجية والإبداع فيها، ويصبح شعارهم هو "طز الكبرى" التي رفع لواءها محجوب عبد الدايم، بطل رواية "القاهرة الجديدة" للراحل الأستاذ نجيب محفوظ.

إعلان

إعلان

إعلان