لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

طبقية البقاء في البيت

أمينة خيري

طبقية البقاء في البيت

أمينة خيري
07:00 م الإثنين 06 أبريل 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بدا تماماً أن البقاء في البيت مسألة طبقية بحتة. شعارات ودعوات ومطالبات "ابقى في بيتك آمناً" و"خليك بالبيت" أو حتى على سبيل الدعابة "اترزع في البيت" وغيرها تخاطب فئات بعينها دون غيرها. هذه الفئات هي التي طلب أصحاب العمل منها البقاء في البيت والعمل عبر الإنترنت، أو البقاء في البيت لحين إشعار يفيد بانحسار الفيروس وبدء العودة تدريجياً إلى الحياة الطبيعية.

وجميعنا مضطلع على ما يدور في هذا الشأن من تململات وتأملات وشكاوى ونكات وأفكار واقتراحات وتحليلات لآثار البقاء في البيت. خوف من تراكم كيلوجرامات إضافية نتيجة قلة الحركة، توتر بسبب عدم اعتياد أفراد الأسرة تمضية هذا الوقت الطويل مع بعضهم البعض، وصفات كيكة البطاطا وفطيرة الكاكا، خناقات ومناطحات حول حرمانية الغناء من الشرفة؛ حيث المعازف حرام أو تحليلها باعتبار من يحرمونها ينتمون لعصور ما قبل التاريخ، أفكار لتسلية الصغار بألعاب وأنشطة بيتية، تطبيقات لممارسة اليوجا أو مقاربة الـ"بايلاتس" للحفاظ على اللياقة، نكات وفكاهة، وفئة أخرى عريضة جداً خارج منظومة "خليك في البيت" شكلاً وموضوعاً.

موضوع البقاء في البيت، ولا سيما مع احتمالات أن يطول، وضبابية المستقبل القريب جداً، يضع ملايين المصريين ممن هم خارج كيانات مواقع التواصل الاجتماعي بسلبياتها وإيجابياتها وتشارك تجربة العزل البيتي والحظر الرسمي، في خانة اليك. والمسألة ليست مجرد جمع التبرعات، أو توجيه أموال الزكاة، أو تعبئة شنطة رمضان، بل هي أصعب وأعمق.

فمن جهة، هناك العامل الاقتصادي الضاغط القاتل، لا سيما للعمالة المعتمدة على كسب لقمة عيشها اليوم بيومه. والحقيقة أن هذه الفئة لم تعد تقتصر على عمال البناء والهدم والباعة الجوالين والسياس وعاملات النظافة البيتية وغيرهم، بل امتدت في السنوات القليلة الماضية لتضم فئات وشرائح أخرى مثل سائقي تطبيقات "أوبر" و"كريم"، وعمال "الدليفري" وعمال وموظفي المحلات ممن فوجئوا بتوقف "رواتبهم" ونسبة كبيرة منهم تعمل دون عقود أو أوراق رسمية وغيرهم.

هذه الفئة الكبيرة والعريضة تتعرض هذه الآونة لضغوط وتحديات لا أول لها أو آخر، ليس فقط بسبب ضبابية الغد الاقتصادية، ولكن بفعل نوعية مختلفة تماماً من المشكلات النفسية جراء البقاء في البيت. أغلب الظن أن هذه الفئة لا تمضي وقتها البيتي في عمل وصفات بيتزا السي فود أو متابعة أفلام ومسلسلات "نتفليكس" أو حتى مناقرة الزوج ومناطحة الزوجة. إنها الفئة الصامتة حتى الآن.

بالطبع حسناً فعلت الدولة ممثلة في وزارة القوى العاملة بتخصيص إعانات للعمالة غير المنتظمة، لكن على "المجتمع المدني"- ممثلاً في جمعيات ومنظمات وأفراد- كذلك التفكير السريع في أفكار وحلول إنقاذ غير تقليدية.

مرة أخرى، دعونا نخرج من حيز "شنطة رمضان" وكيلو اللحمة الهدية. بالطبع مثل هذه المساعدات ترفع قدراً من المعاناة 24 أو 48 ساعة. لكن ماذا عن المدى المتوسط ولا نقول الطويل؟!

وحتى لا يبدأ البعض في النواح على "آه يا بلد. عملتي إيه للغلابة والفقرا"... إلخ، علينا أن ننفض ولو قدراً من أتربة الولولة، وننتهج نهجاً أرقى نسبياً.

مشكلة العمالة غير المنتظمة في زمن "كورونا" مشكلة عالمية. صحيح أن أنظمة الضمان الاجتماعي في دول هنا، أو القدرات الاقتصادية لدول هناك تتيح لها قدراً أوفر من حرية الحركة لمساعدة هؤلاء، لكن الأزمة أممية.

دراسة أجرتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) تشير إلى أن 8.3 مليون شخص سيدخلون دائرة الفقر في العالم العربي بسبب "كورونا".

وقدرت الدراسة أن ما لا يقل عن 1،7 مليون شخص سيفقدون وظائفهم في منطقتنا.

وأغلب الظن أن العدد الفعلي سيكون أعلى من ذلك بكثير، حتى لو بدأ الفيروس في الانحسار والحياة تعود تدريحياً. فالضربة الاقتصادية موجعة، وآثارها ممتدة، والخروج منها يحتاج سبلاً مختلفة وغير كلاسيكية.

أما معاناة هذه الشريحة النفسية، فهي بالطبع مرفوعة من الخدمة، فلا إعلام يتحدث عنها ولا مستنقعات العراك الاجتماعي تنظر في شأنها. الأمر يحتاج قدراً من التكاتف والتفاعل وإلقاء الضوء على شريحة تعاني الظلام الدامس.

إعلان

إعلان

إعلان