لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في عشق "النصابين"

أمينة خيري

في عشق "النصابين"

أمينة خيري
08:48 م الإثنين 11 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هذه كلمات في عشق "النصابين بالفطرة" والمبدعين والمعرين للواقع الأليم والحقيقة المرعبة بهذا الكم من الجمال والإبداع.

هذه كلمات لا يقصد بها نقد وتقييم لمسلسل "بـ100 وش" لأنه لم ينتهِ بعد، لكن الغرض منها التصفيق والتهليل لكل من يحاول، وينجح في أن يجبرنا دون عنف على أن ننظر إلى أنفسنا في المرآة لنرى ما تعكسه فعلياً، وليس ما نغرق فيه من وهم طواعية.

تركيبة النصابين والمحتالين الرائعين في مسلسل "بـ100 وش" للمخرجة الرائعة كاملة أبوذكري رائعة وصادمة. عمر (آسر ياسين) ابن الناس الكويسين الذي ينصب بشياكة، وسكر (نيللي كريم) بنت البلد الخالطة بين الجدعنة والسرقة والنصب، ونجلاء (دنيا ماهر) التي قست عليها الحياة فوجدت في المشاركة في النصب ما يخفف عنها القسوة، وسباعي (شريف الدسوقي) الممثل المغمور الذي وجد أخيراً عبر التقمص الكامل لدور النصاب ما يخرجه من رحلة البحث المضني عن مكانة مفقودة، وحمادة (إسلام إبراهيم) عبقري الكمبيوتر الذي ينصب بعلم مكتسب ولا يحول نصبه دون رومانسيته الفياضة، وسامح (محمد عبد العظيم) الموظف النصاب البلطجي الذي لم يحترم أخلاقيات النصب الجماعي فجار على نصيب نجلاء، ورضوى (زينب غريب) البنت الراضية بدور مساعد نصاب، الجريئة الباحثة البارة بأهلها والمحافظة على صلة الرحم بالإصرار على إدخال خالها سباعي في كل عملية نصب جديدة، وفتحي (مصطفى درويش) البلطجي الذي وجد في النصب دخلاً إضافياً وبالمرة إعادة حقوق المنصوب عليهم في مقابل عمولة، وزيزو (حسن أبوالروس) عامل الدليفري الذي أعاد اكتشاف نفسه في توصيل النصابين إلى مواقع النصب، وماجي (علا رشدي) بنت الناس الكويسين التي اختارت أن تعيش حياتها بالشكل المناسب لها ولا ضرر في المشاركة بموهبتها في المكياج في مقابل نسبة من عمليات الاحتيال.

الجميع مبدع لكن الأهم من الإبداع أن كلاً من هؤلاء النصابين موجود بيننا ونحن نتعايش معه بكل أريحية واعتياد.

مسلسل "بـ100 وش" يخبرنا أن مظاهر النصب والاحتيال في المجتمع أكثر من أن تعد أو تحصى.

ويخبرنا أيضاً أن قدرتنا الفائقة على تطويع ما نراه مناسباً - حتى وإن كان غير لائق- لنجعل منه سمة حياتية عادية جداً تستحق رسالة دكتوراه.

هذا ينصب، ويحتال وقبل أن يبدأ العملية يدعو الله أن يوفقه ويسانده.

وهذه تنصب، وتحتال، وترتدي الحجاب، وتبكي، وتتضرع إلى الله ليحميها ويقويها. هذا يستغل وظيفته الحكومية لإصدار وثائق رسمية سليمة لكن وهمية ولا يرى ما يحول دون استيلائه على نصيب "الغلبانة" نجلاء، بل يرفع عليها مطواة ويهددها، لكن حين يأتي من هو أقوى منه "فتحي البلطجي" يضطر لتسليمه المبلغ.

ليس هذا فقط، بل حين تلوح في الأفق فرصة عملية نصب جديدة يقومان فيها سوياً بدورين مهمين يهرع إلى تقبيله والقسم بأغلظ الأيمانات على أنه يحبه ويحترمه.

وهؤلاء الأقارب يبلغون الشرطة- وعلى رأسهم سمير (أسامة أبو العطا) الرذل السمج الذي لم يزر قريبه المتوفى لأنه مش فاضي لكن سخر وقته وجهده بعد الوفاة للبحث عن الثروة المسروقة- ويتفرغون للبحث عن ثروة "عم غزال" قريبهم رغم أنهم لم يسألوا عنه يوماً أثناء حياته.

في كل تفصيلة من تفاصيل عمليات النصب ضوء حاد ولاذع يتم تسليطه على سمة من سمات المجتمع.

هذا لا يعني بالطبع أن جميعنا نصابون، لكن يعني أن النصب بات له تعريفات مختلفة، وأن النصباية الصغيرة يمكن تحليلها وتبريرها بأنها "للضرورة القصوى"، وأن قبول الرشوة لم يعد فعلاً مريعاً بل شيء مستساغ، وأن حتى الحرامي والنصاب والمحتال يلجأون إلى الله طلباً للتوفيق وتضرعاً من أجل إتمام عملية النصب، ولا يرون في ذلك نفاقاً أو تضارباً.

"بـ100 وش" عمل رائع حتى الآن. خفيف على القلب، يفتح شهية التفكير في المجتمع وطبقاته وسلوكياته دون تشنجات طبقية أو احتقانات دينية أو تضاربات فكرية.

وروعة العمل لا تقتصر على تعاطف المشاهد مع النصابين وفرحته بنجاح كل عملية نصب، بل في الاستمتاع بهذا الانصهار الطبقي فيما بينهم، والاطلاع على التفاصيل الصغيرة لفئات عدة في المجتمع دون تنظير أو إصدار أحكام، وفي انتظار نجاح عملية النصب التالية.

إعلان

إعلان

إعلان