لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

 تسرب الأساتذة

د. غادة موسى

تسرب الأساتذة

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:01 م السبت 19 سبتمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

اعتدنا على اصطلاح "تسرب الطلاب"، و"التسرب من التعليم"، ولكن قد لا ندرك أن هناك تسربًا لأساتذة الجامعات. ولا أقصد بذلك هجرة العقول النابغة إلى الخارج، ولكن أقصد التسرب الداخلي لأساتذة الجامعات من الجامعات الحكومية إلى الجامعات الخاصة.

خلال الخمس عشرة سنة الماضية أصبح لدى مصر عدد كبير ومتنوع من الجامعات الخاصة. وأثارت تلك الجامعات جدلاً واسعًا أخذ شكل "حوار طبقي" حول استهداف تلك الجامعات لأبناء الطبقة القادرة على الدفع للحصول على تعليم عالي الجودة. كما ثار جدل آخر حول جودة التعليم الذي تقدمه تلك الجامعات في بداية نشأتها إلى أن سارعت الكثير منها لعقد شراكات وتوأمة مع جامعات في الخارج لضمان الجودة.

لكن، الإشكالية الآن في الأستاذ الجامعي الذي وجد نفسه يتسرب من الجامعات الحكومية إلى الجامعات الخاصة؛ لتحسين دخله والحصول على خبرات أفضل في إدارة العملية التعليمية، فضلًا عن الوسائط التعليمية الحديثة المتاحة في الجامعات الخاصة مقارنة بالجامعات الحكومية.

ولا يستطيع أحد أن ينكر أن من حق الأستاذ الجامعي أن يحقق مستوى معيشيًا جيدًا يحفظ له هيبته وكرامته. فالأستاذ شأنه شأن القاضي. ولكن ماذا عن الجامعات الحكومية التي يمكن أن يحدث تُفرغ من أساتذتها بعد وقت ليس ببعيد؟، وتوجد بالفعل حالات لأساتذة استقالوا من الجامعات الحكومية للتفرغ للعمل في الجامعات الخاصة. وهناك من يقسم وقته وجهده بين المؤسستين لاعتبارات قانونية وإدارية.

وكما هو من حق الأستاذ تحسين دخله ومستوى معيشته، فمن حق الطالب أن يحصل على تعليم. فالعناية بالطالب الجامعي الذي لا يملك رفاهية اختيار المؤسسة التعليمية لاعتبارات اقتصادية أمر مهم. ولا أعلم إذا كانت مؤسسات التعليم العالي قد قامت بدراسة لتحليل الفجوات في توافر أساتذة لتدريس المناهج الدراسية المختلفة. ومثل هذه الدراسة غاية في الأهمية؛ لأنها قد تبصر صانع القرار بنوعية السياسات التي يجب أن يضعها الاستقامة العملية التعليمية للجميع وتحقيق المساواة والعدالة.

في الجامعات في الخارج، وبصفة خاصة في ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية لا يوجد أستاذ مرهون لجامعة واحدة فقط. فالأساتذة متنقلون ويحصلون على فرص تدريس فصول دراسية في عدد من الجامعات بناء على تعاقدات. فقد يكون الأستاذ خريج جامعة هارفارد ويحصل على فصل دراسي في جامعات ستانفورد أو بوسطن أو أي جامعة أخرى.

وإذا كانت الجامعات الحكومية قد حاولت حل تلك الإشكالية باستحداث أقسام للتعليم باللغات في جامعاتها، فإن هذا الحل لم يكن مستدامًا بالشكل المتوقع؛ لأن تسرب الأساتذة ما زال في ارتفاع، ولأنه ليس في استطاعة جميع الطلاب تحمل تكلفة التعليم في أقسام اللغات.

وقد يأتي الوقت الذي قد ينتظر فيه الطالب في الجامعات الحكومية أن يحظى بأستاذ لتدريس المادة. وقد حدث ذلك بالفعل في عدد من الجامعات.

فما العمل حتى يمكن الحد من تلك المخاطر؟، بالتأكيد لا يجب أن يكون الحل باستصدار المزيد من القوانين، وإنما بتحسين ما هو قائم بحيث يؤخذ في الاعتبار تكلفة ساعة التدريس للأستاذ في الجامعات الحكومية مع محاولة معادلتها مع ساعة التدريس للأستاذ في الجامعات الخاصة؛ لأن الفجوة ما زالت شاسعة، وإلا سنشهد المزيد من التسرب.

الأمر الثاني قد يكون في السماح باستقدام من يرغب في التدريس في الجامعات الحكومية وفق إجراءات واضحة. فهناك من الكفاءات العلمية التي يمكن أن تضيف للجامعات الحكومية على أن يتحمل تكلفتها صناديق تطوير التعليم المختلفة أو صندوق تطوير البحث العلمي.

وهذه ليست فقط الحلول الممكنة، إذ يتطلب الأمر سد الفجوة بين طلاب أقسام اللغات في الجامعات الحكومية، حتى يمكن أن يستفيدوا من الأساتذة المستقدمين من خارج الجامعات الحكومية أو من خارج مصر للتدريس بالجامعات الحكومية. وهو ما يتطلب تحسين مستوى اللغة لدى طلاب الجامعات الحكومية من أقسام اللغة العربية؛ لتحقيق العدالة في التعليم.

فما زال التعليم كالماء والهواء...

إعلان

إعلان

إعلان