لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

العالم الذى تشكله منصات التواصل وينقل عنه الإعلام!

د.هشام عطية عبد المقصود

العالم الذى تشكله منصات التواصل وينقل عنه الإعلام!

د. هشام عطية عبد المقصود
07:05 م الجمعة 27 مايو 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

فى عالم اتسع كثيرا عن حدود خبراتنا الذاتية وقدرتنا على معرفة ما يجري، دخلت وسائل الإعلام أولا ثم وسائل التواصل الإجتماعى لتشكل نوافذ ومنصات ومرايا لمعرفة الأحداث فى العالم، وفى الصراعات والأزمات والمشكلات تزيد مساحة الإعتماد، والأقرب والأيسر والأكثر غزارة وتدفقا حكيا واستفسارا وترفيها وتنوعا يهيمن عبر الوقت، وهكذا تكون منصات السوشيال ميديا أكثر تأثيرا ونفوذا، صانعة للصور ومؤطرة للسياقات وسمات الشخصيات وأطر تقييمهم والحكم عليهم.

أنظر مثلا كيف تنقل منصات التواصل وبشكل يومى أخبارا ثم تفاعلات جمهورها على قضية شخصية تخص الممثلين "جونى ديب وآمبر هيرد" وكيف ينخرط كثر فى متابعتها ثم تقييمها والتعليق عليها وتحولات التعاطف مع طرفيها عبر تتابع النشر، هكذا ستعرف كيف تعمل وتؤثر آلة السوشيال ميديا النافذة، التى لم تعد مجرد أدوات عرض رأى شخصى وساحة ترفيه وكفى، بل تخطت ذلك لتكون مجالات لإدارة الصراعات، يفوز فيها الأكثر فاعلية وكفاءة وقدرة على عرض قضاياه، حيث ينصت عالم منصات التواصل البليونى لهم أكثر وتتشكل قناعات وأفكار وتوجهات مؤثرة إنسانيا واجتماعيا وسياسيا تمتد إقليميا ودوليا لتغطى جغرافية الكون.

سيكون السؤال واجبا هو أين صارت مجالات قوة وتأثير الميديا التقليدية؟ لاتوجد إجابات جاهزة وحاسمة لكن هناك مؤشرات عن قوة متصاعدة فى اضطراد لمنصات التواصل وحيث مايدور فى أروقة الكون تتابعه ثم تصنع تدفقها متعدد المحاور بشأنه متنوعا، حتى أن اكثر المحتوى متابعة واهتماما فى الحرب الروسية الأوكرانية التى أصاب العالم كله أثر منها هو مما تنقله منصات التواصل، بثا وتجزئة وتأطيرا وتلوينا بل وإعادة بناء كلى.

يمكن القول بكثير من يقين تؤسس له نتائج ومؤشرات متنوعة أنه لن يعرفك العالم الممتد، ذلك الذى صار قابعا منعزلا خلف شاشات الهواتف الذكية ولن يصله صوتك إن لم تدخل فاعلا على هذه الساحة كفرد وكشركات ومؤسسات بل ودول، وبغياب ذلك لن تضمن على الأقل وجود صوتك ومواقفك ناهيك عن تسييد رؤيتك للأحداث، وهكذا صنعت السوشيال ميديا بعولمتها الجديدة أبطالا وخاسرين، وأظهرت نجوما ساطعة وثقوبا سوداء، وعلى موجاتها صارت أيضا تتحدد مكانة الشخوص والمؤسسات فى ساحات الصراع على اكتساب المكانة والنفوذ، وهكذا صار العالم صورا ورموزا تدعمها كفاءة الإبداع والتواجد على ساحات السوشيال، مدعومة بنماذج وتحققات فى الواقع وقدرة على دحض ما ينافى ذلك ويتقاطع معه تعارضا وتراجع دور وسائل الإعلام كثيرا، حتى أنها لم تعد المصدر الأول لتعرض الجمهور للأخبار - صناعتها المركزية- لدى قطاعات تنمو باضطراد من الجمهور، وبحيث أنه إن لم يتم تداول الخبر عبر منصات التواصل لن تعرفه قطاعات كبيرة من الجمهور ولو كان مصدر بثه الأول هو وسائل الإعلام ذاتها.

وتفعل السوشيال ميديا ذلك كمجال جديد معولم للنفوذ، والمسألة ليست ترفا بل ضرورة صارت تصنفها أدبيات قياس قوة ونفوذ القوى وجزءا من بنيان المكانة والنفوذ، ولهذا تحتكر الدول العظمى تلك المنصات وتبقيها داخل حدودها مركزا وعملا وتداولا فى ملكيتها، وبقليل من التدقيق سنعرف كيف منح الفيس بوك واليوتيوب وتويتر قوة هائلة – تستخدم حين الضرورة- فى حسابات القوة المعولمة.

ومسألة استخدام السوشيال ميديا فى نشر الأفكار وأيضا تلوين الأحداث والوقائع ليست محل تفكير متردد، حيث انه فى زمننا وأيامنا المعاصرة شكلت بحيرات محتوى السوشيال ميديا مصدرا يرتشف منه عطشا وطلبا جموع البشر غلايرتوون قط حتى كأنها صارت صانعة صورة الحياة وأنها هي العالم بما يضمه من وقائع وانها مجال كل الحوادث وبيت عموم الحكايات وأن ما سوى ذلك لايدانيها مكانة وحضورا.

وهكذا نمت وازدهرت شبكات الحياة الإجتماعية على النت لتكون ديوان اللقاءات والحكم والأمثال والهزل والجد والجنون أيضا، وأتاحت لمن شاء عابثا وهازئا أو متخيلا وحالما، أن يصنع محتواه ويطرحه فى مزاد المتابعة الكونية بل ويصل به البعض إلى مرحلة الصناعة الضخمة والسعى للتأثير على مقدرات المجتمعات، نقل هذا التحول حالة السوشيال ميديا وتفاعلاتها مع البشر الى مجال آخر تماما قل فيه التطبع وزاد التصنع واحترف البعض فيه صنع الصورة المرغوب، ومضت معه قوة منصات التواصل تزداد وتترك خلفها وسائل الإعلام مرتبكة فى أسئلتها الوجودية عن شكل المستقبل ودورها وشكل حضورها فيه.

القضية المهمة التى يكشفها ويبلورها ضخامة تمدد نفوذ السوشيال ميديا هو أنها تعكس محدودية أداء كثير من وسائل الإعلام، حين افتقدت إبداع طرح الأفكار وتجدد المعالجات، فاضطرت أو سهل عليها النقل والتبعية لما تطرحه منصات السوشيال ميديا فزادت من أزمتها ووسعت من فجوة تفاعل الجمهور معها ودشنت عصر انتقال المبادرة تاربخيا فى صناعة المحتوى من الميديا إلى منصات السوشيال.

إعلان

إعلان

إعلان