لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالصور - "مصراوي" في منزل المصري ضحية هجمات باريس

07:16 م الجمعة 20 نوفمبر 2015

معايشة- مصطفى الجريتلي:

تصوير - ريم الهواري:

السيرة تبقى، يتناقلها الكبار والصغار، لا سيما إذا كان صاحبها قد راح ضحية حادث إرهابي، ببلد نزح إليه بالأساس بحثا عن عمل. السيرة إما عَطرة أو عكس ذلك، وفي حالة صالح عماد الجبالي، فلا يكاد الاسم يُذكر حتى يتبعه حزن يبدو بالملامح، وكلمة "كان طيب"، ودعاء "الله يرحمه ويصبر أهله". في قرية "بني صير"، بمركز سمنود بالغربية، عاش ابن القرية، وبفرنسا لقي حتفه، وبمنزله الذي تربّى فيه نصب الأب سرادق عزاء، لفلذة كبده البالغ من العُمر 37 عاما، فيما جثمانه لازالت في الطريق إلى مثواها الأخير.

منذ وصولنا المركز والأهالي في حديث مستمر تباعا عن تلك الأسرة التي أصابت الفاجعة أحد أبنائها في أحداث باريس الأخير "صالح كان جدع وطيب ومالوش أي نشاط سياسي، وكان لسه متجوز من كام شهر"، حدثنا بذلك سائق "الميكروباص"، الذي نقلنا من المركز إلى موقف القرية، مشيرا إلى أن والده معروف في القرية بأخلاقه الطيبة.

بعد أن قطعنا مسافة استغرقت قرابة الساعة داخل القرية، وصلنا منزل عماد الجبالي، والد صالح، للتعرف بشكل أقرب على أسرته وحياته قبل الوفاة، وكان لهيئتنا إشارة إننا أغراب على تلك القرية، الهادئ أُناسها.

هدوء يسكن المنزل، فهول الواقعة أسكت أهالي العريس الجديد، الذي تزوج منذ ثلاثة أشهر قبل أن يغادر البلاد لفرنسا حيث يعمل "مبلط" بعد أن طلبه "معلمه"، التونسي لأداء بعض الأعمال.

"كل مرة كان بيأخر سفره المرة دي معملهاش.. عمره سبحان الله"، هكذا تمتم الأب الخمسيني، فور استقبالنا بمنزله وإدخالنا "مضيفة" المنزل، "الله يرحمه كان في عشاء عمل مع المعلم التونسي بتاعه طلع عليه إرهابيين صفوه هو واللي موجودين معاه لكن دي حادثة فردية البلد هناك شديدة"، قال العم طارق عن الفقيد.

سافر الابن منذ 8 أعوام لعاصمة النور بعد أن صدرت أوراقه لإيطاليا: "مامنعتهوش من السفر، طالما هو عاوز كده خلاص أحسن مايجيلي خبر إنه سافر هجرة غير شرعية على مركب، أنا فاكر ساعتها طلع الورق ليه لإيطاليا أسهل من فرنسا"، وهناك استغل وجوده بجانب أقاربه في باريس ليحصل فيما بعد على الإقامة المفتوحة من فرنسا.

لم يكن الشاب الثلاثيني هو الوحيد، فلديه شقيقتين، أحدهما تكبره متزوجة وتعمل كطبيبة، وأخرى تصغره بالإضافة إلى شاب رابع حاصل على "دبلوم صنايع" مثله: "أخوه محمد سافر للمجر مؤخرًا بعد ما ظبطنا الورق بتاعه تمهيدا إنه يروح فرنسا يشتغل مع أخوه لما عرف مارحش فرنسا وقالي إنه راجع وحيكمل في مصر".

يشق الهدوء الذي يسيطر على المنزل صوت عويل يعلو فجأة، يقول الوالد "مراته منهارة من ساعتها وهى موجودة معانا في البيت ده بيتها.. هى من ساعة الحادثة كل ماحد يجي عشانه تنهار".

صور الشاب الراحل تُزين أرجاء المنزل، واحدة يظهر بها خلفه برج "إيفل"، أخرى يضبط فيها وضع "بابيون" زواجه الذي لم يهنأ به، ابتسامته تعلو شفتيه بكل الصور، لكنها تُمزق أوصال الأبوين، إذ يعلمان أن "السند" لم يعد موجودا من أجلهما.

يكسو الهدوء الحذر أجواء المكان مرة أخرى، تجتمع نساء المنزل حول الزوجة المكلوم بالطابق الثاني من البيت، فيما وُضعت مقاعد بمحل أسفل المنزل، استعدادا لاستقبال المعزين، الوقت يمر في القرية، صوت أذان العصر يصدح، نساء اتشحوا بالأسود، أخذت خطواتهم تزداد قبالة المنزل.

في المُخزن المُخصص للعزاء، جلس الأعمام وباقي أقاربه يُخيم الحزن عليهم، بصعوبة يقول طارق " لسه الجثمان مجاش حيجي النهاردة بليل فنخلص تصاريح الدفن"، كان العم من المترددين على فرنسا بسبب طبيعة عمله، وعقب ما حدث لم يتغير رأيه، فقد عاد إلى الغربية مؤخرًا: "رجعت في أكتوبر اللي فات وحرجع فرنسا في مارس.. الوضع هناك مش مخيف ودي لقمة عيشنا".

في المنزل، حيث تجتمع النساء، ثمة سيدة أجهشت بالبكاء تمتم بكلمات غير مفهومة، مع الاقتراب منها تسمع كلمة "صالح".. كأنما تُنادي عليه، وغيرها من كلمات العزاء، :"دي أمه الله يصبرها من ساعة الحادثة وهى كده أبنها وكان عريس جديد ملحقتش تفرح بيه".

مع اقتراب الليل أصبح المكان يعج بالأحبة، يروي كلٌ منهم حكاياته مع الشاب الراحل؛ يحاول محمد صديق –خال صالح- التغلب على دموعه، يخفض صوته قائلا: "كان عريس جديد الله ينتقم من الخونة أعداء الإسلام ربنا يتقبله شهيًدا.."

سفر شباب قرية "بني صير" لفرنسا وإيطاليا أمرا عاديا، فالعمل يدفعهم لذلك بغض النظر عن المخاطر، غير أن سقوط أحد أصدقائهم ضحية هجمة إرهابية كسر شوكتهم، هم مُجبرون على العودة للدولتين، كي يطعموا الأفواه الجائعة التي تنتظرهم، لكنهم وبين التفاصيل المزدحمة لن يتخلوا عن ذكرى "صالح الجبالي"، يتداولونها، فيما يقول عنه أحدهم أنه كان "زينة الشباب".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان