لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

تركيا: حكايات خطف وتعذيب معارضي أردوغان

06:35 م الخميس 13 ديسمبر 2018

كتب - هشام عبد الخالق:
في صباح أحد أيام النصف الأول من عام 2017، توقفت سيارة سوداء في أحد شوارع العاصمة التركية أنقرة، وخرج منها رجلان يرتديان ملابس مدنية وانقضا على رجل يسير بجانبها وجراه إلى السيارة وانطلقا، لم يستغرق الحادث بأكمله أكثر من بضع دقائق، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام ومجموعات حقوق الإنسان.

الرجل الذي تم اختطافه بهذه الطريقة حاول مقاومة مختطفيه ولكنهما تغلبا عليه وقاما بتغطية رأسه بغطاء رأس أسود وقيدا قدميه.

وبعد مرور أكثر من عام على الحادث يقول الرجل الذي يستخدم الاسم المستعار "تولجا": "لا زالت آثار ضربهما لي على قدميّ ظاهرة حتى هذه اللحظة، حيث أدركت أنه لا جدوى من مقاومتهما وأنني لا بد أن أهدأ لأعرف كيف أتصرف بعد ذلك".

"تولجا"

وأضاف تولجا، في حديث لمراسلي بعض الصحف نظمته مؤسسة "Correctiv" الألمانية المعنية بالتحقيقات الصحفية، وكان من ضمن الحاضرين مراسل صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أثناء توقف الحافلة التي كانت تقلني سمعت صوت بوابة حديدية تفتح، وتم الزج بي في زنزانة ضيقة لا تتجاوز مساحتها مترين، ومن ثم سمعت صوت شخص يدلي ببعض التعليمات عبر مكبر للصوت: "كل مرة يتم الطرق فيها على باب الزنزانة يجب يجب عليكم مواجهة الحائط والنظر في الأرض". كان حتى لا نرى خاطفينا.

في الأسابيع التي تلت اختطافه، حاول أقارب تولجا والمحامون ونشطاء حقوق الإنسان تحديد مكانه، ولكن لم يتوصلوا إلى شيء، وأطلقت عائلته حملة على مواقع التواصل الاجتماعي وطلبت من وسائل الإعلام الأجنبية المساعدة وكذلك المجتمع الدولي.

لكن لم يُعرف عنه أي شيء.

يقول تولجا: "مرّ أمامي شريط ذكرياتي مع عائلته وأصدقائي وأحبتي. كنت أعتقد أنهم سيقتلوني".

منذ محاولة الانقلاب في تركيا في يوليو 2016، تم الإبلاغ عن العديد من حالات اختفاء المدنيين وقعت معظمها في أنقرة في وضح النهار، وكان جميعهم يتبعون نمطًا مماثلًا، حيث يتم سحب الضحايا إلى سيارات سوداء من قبل أشخاص لم يحاولوا حتى إخفاء أنفسهم، ومن ثم فشلت المحاولات اللاحقة في تحديد مكان المختطفين.

أفادت العديد من الأسر بأن السلطات تجاهلت طلباتها للحصول على المساعدة.

تثير الشهادات ومقاطع الفيديو والوثائق التي وصلت صحيفة "هآرتس" والصحفيين الآخرين، شكوكًا في أن الحكومة التركية وراء الاختفاء القسري للمواطنين الأتراك، الذين يرتبط معظمهم بحركة رجل الدين فتح الله جولن، الذي يعيش في المنفى بالولايات المتحدة، والذي تتهمه الحكومة بتنظيم محاولة الانقلاب.

قالت "هآرتس" إن تولجا وعلي (اسم مستعار لرجل اخرا) تم احتجازهما فترة طويلة في مؤسسات لا يستطيعا تحديدها، ولم يُسمح لهما بالوصول إلى العالم الخارجي، وخضعا للاستجواب والتعذيب حتى يدليان بشهادات ضد أصدقائهم.

بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، أطلق أردوغان حملة ضد معارضي النظام. وتم فصل ما لا يقل عن 150 ألف شخص من أعمالهم وإغلاق آلاف المؤسسات المرتبطة بفتح الله جولن.

قالت الأمم المتحدة إنه تم اعتقال نحو 160 ألف شخص بينهم مئات من الصحفيين وقادة الشرطة والقضاة والمدعين العامين، وعادة ما يُنقل هؤلاء الأشخاص إلى السجون التركية وغيرها من مراكز الاحتجاز الرسمية، وذلك على خلاف حالتي تولجا وعلي، اللذان لا يعرف أحد أين كانا.

تولجا التقى بالصحفيين في ألمانيا حيث حصل على اللجوء بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي تهدد حياته. ظل لعدة ساعات ظل يحكي عن تجاربه في المكان الذي كان فيه.

قال: "كانت الأرضية والحوائط مغطاة بقماش ناعم، وذلك كان حتى لا يستطيع السجناء الانتحار بصدم رأسهم في الحائط، وتم استجوابي في البداية بشكل متكرر، وبدأ الحراس في ضربي وصعقي بالصدمات الكهربائية، وهددوني بالاغتصاب وحذروني من أنهم سيفعلون الشيء نفسه لعائلتي إذا لم يتعاون".

أضاف: "كنت معلقًا بسلاسل تتدلى من السقف بحيث لا تصل قدميّ إلى الأرض، وكان هناك أدوات تعذيب أخرى أيضًا."

قالت "هآرتس" إنه لم يتسنَ التأكيد من ادعاءات تولجا بشكل شخصي، ولكنه نشر مقطع فيديو بعد خروجه من السجن بيوم يوثق فيه ما حدث، وشاهده الجميع.

كان الرجل التركي يعمل في مؤسسة على صلة بحركة جولن، التي كان عضوًا في الحركة لعدة سنوات. قال "أراد الخاطفون أن أدلي بمعلومات عما أعرفه عن الحركة، وأطلعوني على صور عديدة لأشخاص من الحركة وسألوني أسئلة كثيرة عنهم."

قال تولجا إن آسريه أرادوا تجنيده للمشاركة في محاكمات ضد حركة جولن كشاهد مجهول وأن يشهد من وراء ستار لإخفاء هويته.

أكدت إرين كيسكين، وهي محامية وناشطة حقوقية اتهمت بالمشاركة في الانقلاب الفاشل، أن هذه ممارسة شائعة، وقالت إنهم "يستخدمون شهود مجهولي الهوية لأنه لا يوجد دليل آخر، وهذه طريقة غير ديمقراطية لا وجود لها مثيل في الدول التي تحترم القانون".

وتضيف الصحيفة الإسرائيلية، قبل خروج تولجا من محبسه، تظاهر بالتعاون مع خاطفيه لتخف وطأة التعذيب قليلًا. قال الرجل: "أخبروني أنهم يستطيعون إرسال التعليمات إلى المحاكم وسيتم إسقاط جميع التهم الموجهة إليّ، وأنهم سيعطوني هوية جديدة ومال وكل شيء أحتاج إليه، فقط ساعد الدولة، وكانوا دائمًا يشيرون إلى أنفسهم على أنهم الدولة".

في أحد الأيام أخذته سيارة إلى منتصف مدينة أنقرة وتركته، ليختفي بعد ذلك عن الأنظار وفي أول فرصة هاجر إلى أوروبا، بحسب ما أوردته الصحيفة.

قال: "لم أتجاوز أنا أو عائلتي بعد صدمة ما حدث لنا."

"علي"

كان علي يعمل أيضًا في مؤسسة مرتبطة بجولن، واختُطف في وضح النهار في مدينة في غرب تركيا، وكان في عداد المفقودين لفترة طويلة.

قال إنه تم احتجازه في زنزانة صغيرة في منشأة كبيرة لم يتمكن من تحديدها، وكان يتعرض للاستجواب والتعذيب كل يوم لعدة لساعات. وأضاف إنه تم إجباره على الوقوف لعدة ساعات وتم تغطية رأسه بكيس أسود في كل مرة.

وأضاف "علي" في مقابلته، أخبرني الخاطفين أنني إرهابي واتهموني بجميع التهم التي من الممكن أن تخطر ببال أحد، مؤكدًا أنه عندما لا يكون لدى الدولة أعداء، لا يستطيعون توجيه البلاد في الاتجاه الذي يريدونه.

وتابع: "يبدو أن المحققين كان لديهم العديد من مصادر المعلومات، وكان لديهم معلومات تفصيلية عن أبنائه أيضًا، وبعد إطلاق سراحه، تمكن من الفرار إلى أوروبا الغربية أيضًا، وحصل على وضع اللاجئ."

"أوندر أسان"

توجد حالة مشابهة لحالتي علي وتولجا، وهي حالة المدرس السابق أوندر أسان، الذي كان يعيش في تركيا، ولكن تم اختطافه في سيارة سوداء في أبريل 2017 -وبعد 42 يومًا لم يكن أحد يعلم شيئًا عن مصيره فيهم- تم العثور عليه في أحد الأقسام.

ووفقاً لمركز ستوكهولم للحرية، قال أسان لمحاميه إنه تم استجوابه وتعذيبه في مكان مجهول، ولم يكن قادرًا على التواصل مع العالم الخارجي، وأنه تم إبلاغه بعد الإفراج عنه أن يسلم نفسه للشرطة.

وتقول "هآرتس" إن وسائل الإعلام المختلفة قدمت شهادات لرجل آخر يُدعى جميل كوجاك، اختطفه ثلاثة رجال في أنقرة.

وقال المحامي الذي يمثل عائلات المفقودين، إنه نقل المعلومات التي توافرت لديه إلى لجنة تابعة للأمم المتحدة تتعامل مع حالات الاختفاء القسري، وكذلك مع لجنة حقوق الإنسان في البرلمان التركي، وإلى النيابة العامة التركية. وتابع، لم تحرز وكالات إنفاذ القانون في تركيا أي تقدم في عملية التحقيق في هذه الحالات.

الاختطاف خارج البلاد

في صباح أحد الأيام هبطت طائرة في مطار مدينة بريشتينا عاصمة دولة كوسوفو، وبعد ساعتين أقلعت وعلى متنها ستة مواطنين أتراك منهم خمسة مدرسين، لتهبط بعد ذلك في قاعدة بالعاصمة التركية أنقرة، حسبما كشف تحقيق لمؤسسة "Correctiv" الألمانية المعنية بالتحقيقات الصحفية.

وقالت زوجة واحد من الستة إن زوجها تم اختطافه من قبل رجال قدموا أنفسهم على أنهم رجال شرطة، بعد أن أوقفوه على الطريق السريع في قرية بالقرب من بريشتينا.

صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أعلنت أن الطائرة التي تم استخدامها في كوسوفو تمتلكها شركة السياحة والبناء التركية"Birlesik insaat Turizm Ticaret ve Sanayi"، والشركة مسجلة في أنقرة، وعنوانها عبارة عن مبنى سكني تابع لجهاز المخابرات التركي، بالقرب من مقرها (المخابرات التركية).

وبحسب أحد المواقع الذي يتابع حركة الطائرات، فإن الطائرة التي تم استخدامها في عملية الخطف المزعومة تم رؤيتها في سبتمبر بجوار طائرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء زيارته لألمانيا، وبحسب موقع "ADS-B-Exchange" الذي يراقب حركة الطائرات، فإن الطائرة كانت متواجدة في فنزويلا في أوائل ديسمبر في فنزويلا أثناء زيارة أردوغان لها.

وتقول هآرتس إن حادث مشابه لهذا وقع في منغوليا وتم الإبلاغ عنه على نطاق واسع في يوليو الماضي، حيث كانت هناك محاولة فاشلة لإعادة مدير مدرسة إلى تركيا، وكان يعمل في مدرسة على صلة بخصم أردوغان فتح الله جولن في العاصمة أولان باتور.

وتشير التقارير، إلى أن الرجل تم اعتقاله، واشتكت عائلته في وسائل الإعلام واستطاعت الحكومة المنغولية في آخر لحظة منع الطائرة التي تم إرسالها من تركيا من الإقلاع، والطائرة التي كانت تحمل شعار "TT-4010" -بحسب الوثائق- تابعة لنفس شركة السياحة التي يقع مقرها في المجمع السكني التابع للمخابرات التركية.

في معظم الحالات، تساعد الدول تركيا على اعتقال المواطنين الأتراك هناك، وبهذه الطريقة تم اعتقال سبعة موظفين في مدرسة ثانوية على صلة بحركة فتح الله جولن في كيشيناو عاصمة مولدوفا في سبتمبر الماضي، ونقلوا جوًا إلى تركيا.

وبحسب وسائل الإعلام التابعة لمولدوفا، فإن المواطنين الأتراك السبعة تم اعتقالهم من قبل رجال الشرطة المحليين في المنزل أو في طريقهم إلى المدرسة ونقلوا جوًا إلى مطار بالقرب من إسطنبول، وقالت السلطات المولدوفية إنهم تعاونوا مع تركيا في القبض على الرجال السبعة لأنهم "يشكلون خطرًا على الأمن القومي". وفي هذه القضية، نُقل الرجال جوًا إلى تركيا على متن طائرة تستخدم عادة للرحلات الجوية المستأجرة.

وتقول الصحيفة الإسرائيلية في ختام تقريرها: إنه بحسب مسؤولين أتراك بارزين، فإن تركيا أعادت حتى الآن 100 شخص على صلة بمنظمة جولن من 18 دولة، واشتكت منظمة العفو الدولية من عمليات الاختطاف هذه من دول أجنبية، والتي تعتبر غير قانونية، وبحسب عائلات المختطفين فإن هؤلاء الرجال بعد عودتهم إلى تركيا، يتم اتهامهم بالإرهاب ووضعهم في السجون.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان