"خائفون حتى الموت".. كيف يرى الأكراد انسحاب إدارة ترامب من سوريا؟
كتب - هشام عبدالخالق:
نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تقريرًا من داخل الأراضي السورية عن أوضاع الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية بعد انسحاب الولايات المتحدة من المعركة ضد تنظيم داعش هناك.
وتقول الصحيفة، في تقريرها المنشور على موقعها الإلكتروني اليوم الخميس، إن الإعلان المفاجئ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الأسبوع بانتهاء الوجود العسكري للولايات المتحدة والمساعدات الإنسانية في شمال شرق سوريا، خيب آمال الأكراد في المنطقة الذين يعتمدون على الدعم الأمريكي، ولكنهم لم يكونوا وحدهم من تفاجأوا بهذا القرار.
وتحدث أحد قادة حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، والمعروف أيضًا باسم "بي واي دي" مع الصحيفة الإسرائيلية عبر الهاتف من مدينة القامشلي بشمال شرق سوريا، وقال إن قرار ترامب كان مفاجأة للجميع، بما فيهم الأمريكيون أنفسهم.
وأضاف القائد الذي رفض ذكر اسمه، أن المسؤولين العسكريين الأمريكيين يحتفظون بروابط ممتازة مع المقاتلين الأكراد، وحتى هذه اللحظة، كانوا في انسجام تام في المعارك للقضاء على إرهاب داعش.
واستطرد القائد العسكري، لا أعرف متى سيتم الانسحاب بشكل كامل، فمنذ يومين فقط وصلت شحنة مساعدات دولية لمحاربة داعش، وهو الأمر الذي أكده عدد من الصحفيين والنشطاء - وأكدوا أيضًا دخول حافلات قادمة من العراق محملة بالأسلحة والمؤن- في مقابلات مع الصحيفة.
واتخذ ترامب قراره بالانسحاب بعد حديثه مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، بحسب الصحيفة، حيث عارضت تركيا الدعم الأمريكي لمقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتبع تنظيم "بي كا كا" الذي تصنفه تركيا إرهابيًا، وينشط هناك منذ 1980، وكانت تركيا تهدد بإطلاق حملة عسكرية على المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا بهدف تأمين حدودها.
وفي حديثهم للصحيفة الإسرائيلية بعد ساعات من الإعلان الأمريكي، أعرب سكان شمال شرق سوريا عن خوفهم من سيناريوهين محتملين في أعقاب الانسحاب، أولهما الغزو التركي للمنطقة، وثانيهما استيلاء الرئيس بشار الأسد على المنطقة.
وعبر صحفي كردي يعيش في مدينة الحسكة -تحت الاسم الحركي "أكيد"-، عن وجهة نظر العديد من الأكراد عندما وصف شعورهم بأنهم عالقين بين خيارين كلاهما مُرّ. فمن ناحية، هناك تهديد بعودة النظام السوري إلى المنطقة الكردية. ومن الناحية الأخرى، هناك تهديد من الجيش التركي.
وقال أكيد للصحيفة الإسرائيلية: "لا يختلف أي منهما عن الآخر. في كلتا الحالتين نواجه خطرًا حقيقيًا. الناس خائفون حتى الموت. إنهم يخشون من فقدان الأمن وكذلك وجود التهديدات المباشرة".
تركيا أو سوريا
وتقول الصحيفة، ينبع القلق من تهديد الغزو التركي جزئياً من تقارير من منطقة عفرين في شمال غرب سوريا، وهي منطقة استولت عليها تركيا بمساعدة المتمردين السوريين في مارس من هذا العام. ومنذ الغزو التركي، شهدت هذه المنطقة الكردية، التي كانت تحت سيطرة الميليشيات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، تحولًا ديموغرافيًا كبيرًا.
وتُشير الصحيفة إلى انتقال العرب السوريون الذين كانوا يعيشون في مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة والذين تم طردهم هذا العام عندما استسلم المتمردون في المنطقة، إلى منازل الأكراد الذين فروا من عفرين خلال الهجوم التركي.
وبالإضافة إلى التحول الديموجرافي قامت الفصائل السورية المسلحة التي تعمل تحت رعاية تركيا، بنهب عفرين وسرقة السكان، وإذلالهم عند الحواجز الأمنية، واعتقال أي شخص يشتبه في إيوائه لمعارضي الحكام الجدد (العرب السوريين الذين استولوا على منازل الأكراد).
التهديد بعودة الأسد للسيطرة على المنطقة يخيف السكان المحليين أيضًا. ففي عهد حزب البعث (الذي ينتمي إليه الأسد)، قبل الحرب الأهلية، عانى الأكراد من التطهير العرقي في المناطق الحدودية نتيجة لسياسة مصادرة أراضيهم وقمع هويتهم، ووصف أحد الصحفيين من مدينة عامودا -الذي استخدم اسمًا مستعارًا "إتش"- الحياة قبل اندلاع الحرب الأهلية في 2011 بـ "لقد جردوا الأكراد من الجنسية وحظروا التحدث بلغتنا وفرضوا أيديولوجية حزب البعث علينا".
وفي عام 2012، بعد أن غزا المتمردون السوريون حلب، قرر نظام الأسد سحب قواته من المناطق الكردية وترك السيطرة لميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي. واستطاع الأسد الحفاظ على سلام متوتر مع ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي طوال فترة الحرب الأهلية.
في يوليو 2018، مع تزايد الإشارات بأن إدارة ترامب تنوي الانسحاب من سوريا، حاول حزب الاتحاد الديمقراطي الحصول على تنازلات من حكومة الأسد مقابل عودة نظامية جزئية للسلطة المركزية إلى المناطق الخاضعة لحكم حزب الاتحاد الديمقراطي. ولكن فشلت المفاوضات على ما يبدو بسبب إصرار الأسد على العودة الكاملة للوضع قبل الحرب الأهلية، ورفض منح الأكراد أي سمة مميزة للحكم الذاتي.
ويقول "إتش" الصحفي من عامودا إنه يعتقد أن حزب الاتحاد الديمقراطي سوف يتفاوض مع النظام، وسيوافق على أي شروط حتى لو كان ذلك على حساب التخلي عن حلم الحكم الذاتي للأكراد. وأيد المسؤول الكبير من حزب الاتحاد الديمقراطي وجهة النظر تلك، مشددًا على أن الخطر الأكبر في المنطقة تفرضه تركيا وحلفاؤها العرب، الذين يعتبرهم جهاديين.
نهاية الحلم الكردي
سواء غزت تركيا وحلفاؤها المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، أو استعاد نظام الأسد السيطرة على المنطقة، فإن الحلم الكردي بالحكم الذاتي في سوريا يقترب من نهايته. وكان الحكم الذاتي الكردي بعيدًا كل البعد عن الديمقراطية، ولكن للمرة الأولى منذ عقود، أعطى الأكراد الفرصة لتعلم لغتهم، والتحدث بها علنًا والاحتفاء بأعيادهم، وفقًا للصحيفة.
ووجه تصريح ترامب هذا الأسبوع بشأن الانسحاب الأمريكي من سوريا ضربة قاتلة لقدرة حزب الاتحاد الديمقراطي على انتزاع تنازلات، حتى ولو كانت قليلة، من نظام الأسد، الذي يعرف الآن أن كل ما عليه القيام به هو انتظار الانسحاب الأمريكي.
ويأمل سكان المنطقة في أن تؤدي المفاوضات إلى منح حقوق للأكراد، ويقول أحد المقيمين في الحسكة، تحت الاسم المستعار "دي": إن "الأكراد أصبحوا بلا مؤيدين في الحرب.. ونتيجة لذلك، لا أعتقد أن حكومة الأسد ستوافق على أي تنازلات في المفاوضات مع قوات سوريا الديمقراطية. فهم لم يوافقوا أبدًا على إجراء مفاوضات سياسية معنا، ولا حتى في ذروة الدعم الأمريكي لهم".
أحد الناشطين في مجال حقوق الإنسان الذي يعيش في مدينة المالكية بشمال شرق سوريا مقتنع أيضًا بأن النظام لن يمنح أي حقوق للأكراد. وقال للصحيفة رافضًا ذكر اسمه: "لن يوافق النظام على أي شيء سوى الحكم الديكتاتوري بالقوة".
فيديو قد يعجبك: