العائدون إلى أفغانستان.. قاتلوا في سوريا ورجعوا بالجروح والأموال
كتب - هشام عبدالخالق ومحمد الصباغ:
العائدون من أفغانستان.. طالما كان لهذه الجملة مردودا مخيفًا. حيث شارك الآلاف من الجهاديين في الحرب بأفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي في الثمانينات، ثم مثلت عودتهم إلى بلدانهم مخاوفًا أمنية كبيرة لانخراطهم في الحروب وأعمال القتال، بجانب الأفكار الجهادية التي يمكن استخدامها في الداخل.
هذه المرة العنوان هم العائدون إلى أفغانستان، فقد شارك آلاف الشباب الشيعة من أفغانستان على مدار السنوات الأربع الماضية في الحرب السورية، وذلك عبر إيران. هم جزء من نظام يتم فيه التجنيد والتدريب بشكل جيد وبتمويل كبير من لمساعدة الحكومة السورية بقيادة بشار الأسد ضد المعارضة المسلحة السنية.
هؤلاء الشباب الأفغان باتوا جنودًا في حرب دولة أخرى، مدفوعين بالأزمات الاقتصادية والولاء الديني. فقد بعضهم الأصدقاء والأقارب في معركة ما وعانى كثيرون منهم من جراح خطيرة.
وسلط تحقيق بصحيفة واشنطن بوست الضوء على هؤلاء الشباب الشيعة الذين حاربوا في دولة أجنبية، هاربين من كونهم أقلية في دولتهم التي مزقتها الحرب ضد التنظيمات الإرهابية سواء القاعدة أو طالبان.
أشارت تقارير إلى أن حوالي 840 أفغانيًا قتلوا في المعارك بسوريا. واستطاعت الصحيفة الأمريكية الحديث مع مجموعة من المقاتلين الذين عادوا إلى بلدهم، لكنهم تذكروا معارك خاضوها قرب دمشق وحلب، اعتقادا أنهم يحمون المزارات الشيعية في تلك المناطق من الدمار.
تواصلت واشنطن بوست مع مجموعة من المقاتلين العائدين إلى أفغانستان من سوريا، وعائلاتهم في مدينة هرات، وتحدثوا حول أسباب دفعتهم إلى السفر والانخراط في الحرب الأهلية السورية. لعبوا دورا لصالح إيران في سوريا من أجل الإبقاء على بشار الأسد في الحكم.
لا يمكن اعتبار أن الرحلة إلى الحرب كانت بدافع ديني فقط، بل هناك أيضًا الحاجة أو العوز الذي جعلهم يحملون السلاح ليعودوا بمئات الدولارات، لو نجوا من القتال في الصفوف الأمامية للحروب.
تراوحت نسبة المقاتلين الأفغان في سوريا ما بين خمسة آلاف إلى 12 ألف شخص، شاركوا في كتائب الفاطميون التي تتبع مباشرة الحرس الثوري الإيراني. أغلبهم لاجئين وعمال يعيشون في إيران، لكن المئات منهم جاؤوا من مناطق فقيرة ومجتمعات شيعية في مدينة هرات على الحدود الإيرانية الأفغانية.
وقالت الإدارة الأمريكية في ديسمبر الماضي إن تقريبا 80% من المقاتلين الداعمين للحكومة السورية مكونة من وكلاء إيرانيين، بينهم مقاتلين شيعة. بينما اتهمت إسرائيل إيران بإرسال حوالي 80 ألف مقاتل إلى سوريا.
من المستحيل، بحسب واشنطن بوست، تحديد عدد فعلي للمقاتلين الأفغان في سوريا، لأن بعضهم يعودون إلى أفغانستان أو إيران ولا يخبرون عائلاتهم أين كانوا، ويخفون حقيقة مشاركتهم العسكرية خوفا من السجن في أفغانستان. ولكن لبعضهم، وخصوصا من أقلية الحضرة في أفغانستان التي طالما تعرضت للتمييز، تبدو المشاركة كالشرف.
ويقول حسين (26 عاما) من الأقلية الأفغانية المذكورة سلفًا: "لم يجبرنا أحد على القتال، لكن ذلك يعطيك نوعا من الشرف". الشاب من مدينة هرات ويحمل وجهه علامات الإصابات وعلى يده أيضًا.
خدم في أربع مهمات بسوريا منذ عام 2014، وجمع ما يعادل 600 دولار شهريًا، وعاد منذ شهرين من الجبهة إلى بلاده. قال إنه قرر المشاركة حينما كان يعمل نجارا في إيران، وشاهد حينها مقطع فيديو لعناصر من تنظيم داعش الإرهابي يقطعون رؤوس ضحاياهم.
لم يرغب حسين في الإفصاح عن اسمه الكامل خوفا من الاعتقال في أفغانستان. ولكنه وصف التدريبات والتعليمات التي كان يتلقاها من الإيرانيين، وكيف حمل الأسلحة الروسية ورأى الدبابات، ووصف أيضًا الليالي الطويلة من القتال في الصحراء ضد تنظيم داعش والمجموعات المعارضة الأخرى للحكومة السورية. تحدث عن العلاج في إيران بعد إصابات مختلفة.
وقالت منظمات حقوقية عن استخدام إيران للمقاتلين الأفغان والأجانب الآخرين بأنه تكتيكًا لحماية أرواح الإيرانيين وإسكات الانتقادات الداخلية بسبب التورط في الحرب لصالح دولة أجنبية.
وأشارت منظمات، بحسب واشنطن بوست، إلى أن أطفال في سن الثالثة عشر شاركوا في القاتل وتم تجنيدهم بعد تلقي تدريبات قليلة وعادة ما كان هناك ضحايا كُثُر.
وتنفي إيران استخدام المقاتلين الأجانب لتجنب الضحايا بين صفوفها، ووصفوا الشباب الأفغان المشاركين في الحرب بأنهم متطوعين دينيين.
لدى المسؤولون الأفغان أسباب أخرى لمعارضة تعاون المواطنين الأفغان السري في الحرب الفوضوية في الشرق الأوسط، وزادت الحرب في الشرق الأوسط من تعقيد علاقات أفغانستان القريبة لكن المتوترة مع إيران، الدولة المجاورة والشريك التجاري الأكثر قوة ذو الحدود المشتركة طويلة، وأثارت أيضًا شبح الصراع الطائفي داخل أفغانستان، والتي تجنبته إلى حد كبير حتى الآن.
لعدة سنوات، تحمل الأفغانستان من الأقلية الشيعية، التميييز العنصري والقمع على أيدي الأكثرية السنية، ولذلك تطلع الشيعة في أفغانستان إلى إيران لتكون ملاذًا آمنًا لهم، وتوفر لهم الوظائف أيضًا، ولكن الآن إيران ترحل العمال الأفغان غير المقيمين في الوقت الذي تجندهم فيه كمقاتلين، مما يؤدي إلى الشك بأنها قد تستخدمهم لمحاربة السيطرة السنية في أفغانستان بعد ذلك.
ولكن تباطأت سرعة تجنيد الإيرانيين للأفغانستانيين في الوقت الذي استعاد فيه النظام السوري سيطرته على البلاد، ويقول حسين، في البداية، كانت السلطات تأخذ أي شخص، صغيرًا كان أم كبيرًا، سُنيّ أم شيعي، كنا نُسجل أسمائنا في الصباح الباكر، ثم يرسلوننا للتدريبات في الظهيرة، ولكن الآن أصبح الاختيار أكثر دقة، وتوجد حوافز إضافية حتى يستمر المجندون في القتال، مثل عروض العمل أو تصاريح الإقامة التي لم تعد متوفرة لمعظم الأفغان.
علاوة على ذلك، وبصرف النظر عن العداء تجاه تنظيم داعش، لم يعرب المقاتلون الذين قابلتهم الصحيفة في هرات الأفغانية عن معتقدات دينية قوية خاصة، أو يظهروا بقائهم للقتال كعمل إيماني.
ويقول حسين، الذي يبيع الخضروات الآن في هرات ويقسم على عدم عودته مرة أخرى إلى سوريا: "في البداية، اعتقد الكثير من الرجال أنهم كانوا يقاتلون من أجل شيء ما، ولكن في النهاية اختفى كل ذلك، وكان القتال متمحورًا حول احتياجاتهم، والآن بعد عودته لمدينته مرة أخرى، يشعر بإحساس ممتع حيث يعامله الجميع كبطل بعد أن كان يتوسل من أجل المال، وأحضر الكثير من الأموال لوالديه الذان كانا قلقين عليه لعدة أشهر".
ويتابع، "في إيران كان يعاملنا الكثيرون كلاجئين، ولكن بعد الحرب في سوريا نلنا احترامهم".
أحد المقاتلين البالغ من العمر 21 عامًا، ويدعى رازق، وكان يأمل في أن يصبح محاميًا، وقالت والدته: "كان من الصعب عليه أن يجد عملًا وقرر الالتحاق بالجيش الربيع الماضي، ولم يخبرني أبدًا أين كان، ولكنه أرسل لي 500 دولارًا أمريكيًا، وكان هذا المبلغ كافيًا لتأجير شقة وشراء أثاث لها، ولكن غيرته الحرب لشخص مختلف".
وتتابع والدته صدّيقة: "عاد رازق الشهر الماضي لفترة وجيزة، ولكنه اتجه مرة أخرى إلى إيران للحرب على الجبهة، ويقول إنه من يعول العائلة الآن، لذلك يجب عليه أن يذهب للحرب، ولم أتلقَ منه أي خبر منذ أن غادر الشهر الماضي".
نعيم، أحد المقاتلين الذين نجوا من أربع جولات للحرب في سوريا، قال إنه بدأ المحاربة في سوريا عام 2015 عندما كان يزور إيران باحثًا عن عمل، وشاهد الملصقات التي تدعو المواطنين لدعم المجهودات الحربية، وقرر وقتها الالتحاق بالجيش، ويضيف نعيم، البالغ من العمر 27 عامًا، الذي يبيع المعجنات المقلية في هرات، "شاهدت ابن عمي يموت أمامي، واستطعت التغلب على هذا عن طريق حس الدعابة فأنا كنت شخصًا لا أبالي وأنعم براحة بال".
ويقول نعيم، في ختام التقرير: "السبب الرئيسي الذي جعلني أستمر في الانخراط بالجيش، كان لتوفير المزيد من المال لأتزوج خطيبتي، وهو الأمر الذي يتطلب في الثقافة الأفغانية إنفاق آلاف الدولارات على شكل هدايا وحفل زفاف كبير، ولكن عندما عدت من سوريا، كان كل ما أملكه في جيبي 700 دولارًا، وحينئذ فقدت عائلة خطيبته الأمل وقررت إلغاء الخطوبة، ولذلك خرجت في هذه الليلة، وأنفقت كل المبلغ على المقامرات".
فيديو قد يعجبك: