ما أوراق أوروبا للضغط على البرهان وحميدتي لوقف العنف؟
(دويتشه فيله)
تقف السودان عند مفترق خطير، وإذا كانت أوروبا ترغب في المساعدة، فعليها بالضغط بشدة على طرفي الصراع من أجل وقف دائم لإطلاق النار والدعوة لمشاركة المكون المدني في المستقبل السياسي للبلاد. لكن هل تملك أوروبا هذا النفوذ؟
بات الغموض والقلق يسيطر على المشهد في السودان مع استمرار دوامة العنف والقتال في العاصمة الخرطوم بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان الذي يرأس مجلس السيادة الانتقالي من جهة وقوات الدعم السريع شبه العسكرية السودانية بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي).
تزامن هذا مع تسارع وتيرة إجلاء الرعايا الأجانب الذين يعملون في السفارات والمنظمات الدولية منذ بدء أعمال القتال في منتصف أبريل الجاري. بيد أن السؤال الملح في الوقت الحالي الذي يتردد في أذهان المراقبين مفاده كيف يمكن وقف إراقة الدماء والحيلولة دون انزلاق السودان إلى حرب أهلية؟
وكان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قد دعوا خلال اجتماع في لوكسمبورغ أمس الاثنين إلى وقف إطلاق النار في السودان والتوجه نحو تسوية سياسية سلمية مستدامة تجنّب المدنيين السودانيين مزيدًا من المعاناة مع استمرار عمليات الإجلاء.
"الاتحاد الأوروبي يمكنه فعل المزيد"
من جانبه، حث الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل طرفي الأزمة في السودان إلى وقف القتال والانخراط في مفاوضات.
وموجها حديثه إلى البرهان وحميدتي، قال بوريل: "عليكما وقف الحرب وإسكات صوت المدافع والبدء في المفاوضات والبحث عن حل سياسي لأنه لا يوجد حل عسكري".
أما وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو فقد حذر من أن روسيا قد تسد فراغ الدول الغربية التي أغلقت سفاراتها وأجلت دبلوماسييها وموظفيها من السودان مع تصاعد العنف.
وقال للصحافيين "إذا غادرنا السودان، فإننا نترك مساحة كبيرة لقوات فاغنر (مجموعة مرتزقة روس) وروسيا للممارسة النفوذ. لذا أعتقد أنه يتعين على أوروبا تفعيل دورها في السودان"، مشددا على ضرورة ألا يقتصر دور التكتل على إجلاء الرعايا، بل مساعدة السودانيين.
وأضاف "أعتقد أن الاتحاد الأوروبي يمكنه فعل المزيد".
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش قد دعا أمس الاثنين أعضاء مجلس الأمن لاستخدام "أقصى درجات نفوذهم" لوقف العنف واستعادة النظام وإعادة السودان إلى مسار الانتقال الديمقراطي.
ماذا بعد إجلاء الرعايا؟
وفي سياق الأطراف الفعالة في السودان، قال ثيودور ميرفي، مدير برنامج أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن هناك العديد من الدول تمتلك نفوذا وشبكة مصالح في السودان.
وفي مقابلة مع DW، أضاف "لا أعتقد أنه من المفيد النظر إلى الأمر وكأنه منحصر في روسيا على ضوء ما تقوم بها مجموعة فاغنر التي تنشط في عدد من الدول الأفريقية التي تعصف بها اضطرابات، والمتمركزة في السودان منذ وقت لدعم قوات الدعم السريع".
وأضاف أن دول الجوار السوداني بلا استثناء تتنافس لتعزيز حضورها في مستقبل السودان السياسي، منوها أن الأمر لا يقتصر على الدول المجاورة، بل يمتد إلى دول إقليمية مثل الإمارات والسعودية.
وقال إن هناك حالة قلق متزايدة ومخاوف من امتداد رقعة القتال في السودان إلى دول الجوار مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي والاقتصادي ويتسبب في موجة نزوح مفاجئة تمثل تحديا للجوار السوداني.
ويشار إلى أنه بعد الإطاحة بنظام عمر البشير في أبريل 2019، جرى تشكيل مجلس عسكري بقيادة البرهان للإشراف على عملية الانتقال الديمقراطي في السودان.
لكن في أكتوبر عام 2021، قام البرهان بتحركات عسكرية وأطاح بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وشكل مجلس سيادة برئاسته وعين حميدتي نائبا له رغم الاحتجاجات الرافضة لتلك التحركات.
وخلال التظاهرات، قامت قوات الدعم السريع بأعمال قمع ضد المحتجين، ما أسفر عن مقتل 330 شخصًا على الأقل وإصابة نحو 3 آلاف آخرين، حسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية.
لكن منذ مطلع أبريل الجاري، تصاعدت التوترات بين البرهان وحميدتي على وقع خطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني.
وقد انتقد الاتحاد الأوروبي التحركات العسكرية التي قام به البرهان عام 2021، لكنه حافظ على العلاقات الرسمية مع قادة البلاد مع التأكيد على ضرورة المضي قدما في تمكين حكومة مدنية ديمقراطية من إدارة السودان.
وفي ذلك، قال ميرفي إنه بمجرد الانتهاء من عمليات الإجلاء، يتعين أن تعمل الأطراف الدولية على ضمان إبرام اتفاق جائم لوقف إطلاق النار وليس مؤقتا من أجل السماح بوصول الإمدادات الإنسانية العاجلة إلى سكان السودان الذين باتوا في أمس الحاجة إلى الحصول على مساعدات.
وأضاف أن الخطوة التي تعقب ذلك يجب أن تتمثل في أن يقدم الاتحاد الأوروبي على العمل والتنسيق مع شركائه الدوليين للوقوف على النفوذ الذي يتمتع به التكتل على طرفي الأزمة في السودان، مشددا "أعتقد أن هناك دورا يمكن أن تلعبه أوروبا، لكننا لم نشرع في الأمر حتى هذه اللحظة".
العملية السياسية
يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي تعرض لانتقادات حادة فيما يتعلق بسياسته تجاه السودان بسبب ما رآه البعض من تمويل لمشاريع قمعية تحت زعم أنها ترمي إلى وقف الهجرة غير النظامية من السودان التي تعد نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين الذين يحاولون الفرار من الصراعات والحروب في أفريقيا.
وفي هذا السياق، أشار جيريت كورتز، الباحث بالمعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن، إلى "عملية الخرطوم" المشتركة بين الاتحاد الأوروبي ودول القرن الأفريقي لمكافحة أسباب وتبعات الهجرة غير القانونية والتي بدأت منذ عهد البشير.
ونقلت قناة الجزيرة الفضائية القطرية عن حميدتي قوله إن قوات الدعم السريع منخرطة في جهود الاتحاد الأوروبي لوقف الهجرة غير النظامية.
الجدير بالذكر أن قوات الدعم السريع تعرضت لانتقادات من منظمات حقوقية بسبب إقدامها على "اعتقالات تعسفية" في الخرطوم خلال 2020 شملت عشرات المدنيين والنشطاء السياسيين دون سلطة قانونية.
كما اتُّهمت بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين بما في ذلك "التعذيب والقتل خارج نطاق القانون والاغتصاب الجماعي". وهي انتهاكات وثقتها منظمة هيومن رايتس ووتش، لحقوق الإنسان.
من جانبه، شدد كورتز على أن الاتحاد الأوروبي "أكد على الدوام أنه لم يقدم أي تمويل مباشر إلى قوات الدعم السريع وقد يكون الأمر كذلك، لكن يبدو أن دولا في التكتل تعاونت مع هذه القوات".
وقال إنه يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يسلط الضوء على الدور المحوري الذي يجب أن تلعبه الأطراف والحركات المدنية في العملية السياسية في السودان وألا يصبح الأمر حكرا على المؤسسات العسكرية.
وأضاف "لا ينبغي أن يكون العسكريون وحدهم القادرين على إملاء الشروط لمجرد أن لديهم أسلحة. على الاتحاد الأوروبي أن يُشرك المدنيين في أي جهود سياسية للمضي قدما وأن يأخذوا زمام المبادرة من الجنرالات".
فيديو قد يعجبك: