"كلمة السر" المُعلنة.. اللاجئون السوريون قضية تقتنص الأصوات في الانتخابات التركية
(دويتشه فيله)
اللاجئون في تركيا أصبحوا قضية تقتنص من خلالها الأحزاب أصوات الناخبين قبيل الانتخابات الرئاسية برفض وجودهم وإطلاق الوعود بإرجاعهم إلى بلادهم. بحسب التقديرات يبلغ عدد اللاجئين في تركيا نحو 5.5 مليون، جلهم من سوريا.
في 9 أبريل في حي "باغتشيلار" في إسطنبول، وقف رجال أمام باب منزل. واحد منهم، رجل كبير يصرخ ويبدو عليه الانزعاج الشديد: "هل يمكنني الذهاب إلى سوريا وقتل شخص ما هناك؟" يسأل بصوت عالٍ ثم يجيب على نفسه: "لا". سبب غضبه هو مقتل شقيقه، عامل النسيج الذي قُتِل بالرصاص من قِبَل رجل سوري خلال صراع بين مجموعتين.
سينان أوغان، مرشح الرئاسة عن التحالف القومي اليميني، يزور عائلة الضحية ويصرح بالقول: "أعدكم بأننا سنرحل السوريين في أسرع وقت ممكن. لن نسمح بمقتل أي تركي على يد سوري". السياسي أوغان البالغ من العمر 55 عاما هو واحد من أربعة مرشحين للرئاسة سيتنافسون في الانتخابات في 14 مايو القادم. وأوغان هذا من أتباع حركة "Ülkücü" المعروفة في ألمانيا باسم الذئاب الرمادية .
بعد صراع سياسي داخل الحزب، تم طرد سينان أوغان من حزبه القومي المتطرف "MHP"، وتتراوح نسبة تأييده في الوقت الراهن، وفقًا للاستطلاعات، بين 1.3 و2.5 في المئة.
لا ينفرد بهذا التوجه حزب سياسي واحد، بل تقريبا جميع الأحزاب تفعل الشيء نفسه، بإشعال مشاعر الكراهية ضد اللاجئين بوعود إعادتهم إلى بلادهم بعد الفوز في الانتخابات، والذين يصل عددهم إلى أربعة ملايين فرد. عدا تحالف الخضر - اليسار المؤيد للكرد، يختلف بكونه الوحيد الذي يعارض هذه الخطوة. وقد شعر كمال كليتشدار أوغلو، رئيس حزب المعارضة الجمهوري (CHP) والمرشح للرئاسة في أكبر تحالف معارض، بالاستياء الذي شعر به الناس منذ فترة وقد جعل من سياسة اللجوء إحدى أولوياته منذ عدة سنوات. ويعتزم كليتشدار أوغلو التفاوض بشأن عودة اللاجئين إلى سوريا مع الرئيس السوري بشار الأسد .
ويتعهد بالتفاوض مع النظام السوري بشأن عودة اللاجئين بعد الفوز في الانتخابات. وجرى إدراج هذه النقطة أيضا في برنامج الحملة الانتخابية الخاص به. إضافة إلى ذلك، يريد الحزب إعادة فحص اتفاق اللاجئين مع الاتحاد الأوروبي. ويرى ضرورة عقد اتفاقية جديدة لإعادة اللاجئين مع دول الجوار. وبالإضافة إلى ذلك، يريد الحزب مراقبة معابر الحدود "المفتوحة" بتقنيات وطائرات بدون طيار جديدة وبناء حواجز حين يكون ذلك ضروريا لمنع الهجرة غير المسيطر عليها. كما سيتم إعادة النظر في تسهيلات التأشيرة مع مختلف الدول أيضا.
حتى حزب أردوغان
حتى قبل عام واحد، كان حزب العدالة والتنمية (AKP) الحاكم يحمي السوريين. كان ينظر إليهم بشكل أساسي على أنهم قوى عمل رخيصة، لا غنى عنها لمنفعة الاقتصاد التركي. ومع ذلك، ينخفض قبول المجتمع للسوريين المهاجرين بسبب الأزمة الاقتصادية والتضخم والفقر، مما أدى إلى تغير في سياسة الحزب في هذه القضية.
"مع اكتشاف أن السوريين لن يعودوا خلال بضع سنوات، تغير المزاج"، يشرح الباحث في مجال الهجرة مراد أردوغان من جامعة أنقرة. وبحسب رأيه اكتشفت الأحزاب المعارضة هذا التوتر المتزايد في المجتمع، بعد أن تمكنت من الفوز بدعم الناخبين من خلال موضوع اللاجئين، كما تبنى حزب العدالة والتنمية الحاكم هذا الأمر أيضا، لذا أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان عن خططه لإعادة السوريين الطوعية والآمنة. ويريد حزبه مكافحة الهجرة غير الشرعية، كما فعل حتى الآن ويوضح الباحث في مجال الهجرة: "في الوقت الحالي، يتباهى حزب العدالة والتنمية بأعداد كبيرة من عمليات الترحيل".
ويجري مراد أردوغان دراسة تحت عنوان "بارومتر السوريين" منذ خمس سنوات، ويتابع حياة الأتراك والسوريين ويدرس التعايش بينهم في البلاد. يقول الباحث في مقابلة مع DW: "نطرح السؤال كل عام حول مدى أهمية قضية اللاجئين في المجتمع التركي". ووفقاً له، كانت تحتل دائما المركز الثالث أو الرابع. ويضيف أردوغان: "في الدراسة الحالية، ترتفع القضية إلى المركز الثاني، مباشرة بعد الأزمة الاقتصادية". ووفق نتائج الدراسة، يؤيد ما يقرب من 90 في المائة من المشاركين في الدراسة، عودة السوريين إلى بلادهم .
يبحث مراقبون في مجال الهجرة مدى تأثير سياسات الأحزاب حول اللاجئين على سلوك الناخبين. والجواب حول تأثير ذلك جاء بالإيجاب وبلغ 60 بالمئة من المشاركين في الدراسة، حسبما يفيد الباحث في شؤون الهجرة مراد أردوغان. ويقول إن هذا الموضوع يتيح للأحزاب السياسية مساحة كبيرة لحصد الفائدة، خصوصا عندما يضيق مجال التسابق بين الأحزاب. ووفقا لـ"بارومتر السوريين"، يتمنى أكثر من 88.5 في المائة من الأتراك عودة اللاجئين السوريين، كما يدعم هذا المطلب 85 في المائة من ناخبي حزب العدالة والتنمية.
مطالب غير واقعية
ومع ذلك، يرى الباحث في الهجرة مراد أردوغان أن عودة السوريين أمرا غير واقعي. وبحسب معلوماته يعيش حاليا في تركيا أكثر من 3.5 مليون سوري لديهم حماية مؤقتة. بالإضافة إلى أن هناك 100 ألف يحملون تصاريح إقامة صالحة. وقد تم تجنيس بين 200 إلى 300 ألف منهم. أي أن مجموع السوريين في تركيا يقارب 4 ملايين شخص.
ويضيف بالقول إن عدد اللاجئين غير القانونيين يبلغ حوالي 400 ألف شخص، ويأتون بشكل رئيسي من أفغانستان، وباكستان والعراق وأفريقيا. كما أن هناك حوالي مليون لاجئ ينتظرون الترحيل. وبالتالي، يصل ـ حسب خبير الهجرة ـ إلى إجمالي 5.5 مليون لاجئ يقيمون حاليا في تركيا. ويكرر: "لا يوجد بلد آخر في العالم قد استقبل عدداً كبيراً من اللاجئين كما فعلت تركيا". مثل هذا التحدي الكبير لم يمكن حتى لألمانيا التغلب عليه.
ويعيش العديد من السوريين في تركيا لأكثر من عشر سنوات الآن ويتابع أطفالهم دراستهم في المدارس، ويعمل البالغون في وظائف، على الرغم من أنهم يعملون بشكل غير قانوني في الغالب. ولذا يكرر الباحث "إن إرجاعهم خلال عدة سنوات، كما تزعم الأحزاب، أمر مستحيل". ويضيف أن حوالي 900 ألف طفل ولدوا في تركيا، وسوريا ليست وطنا لهم.
اللاجئون ضحية للعنف
يزيد التضخم الفاحش والبطالة والفقر صعوبة حياة الناس في تركيا، ومع سياسة الفائدة المنخفضة التي يديرها الرئيس رجب طيب أردوغان، يعيش الاقتصاد في حالة أزمة عميقة وتتلاشى القدرة الشرائية بسرعة، كما يؤثر الفقر أيضا على الطبقة المتوسطة. وتستغل الأحزاب اليمينية الشعبوية والقومية بشكل رئيسي الفرصة لأغراضها. فهي تنشر الكراهية تجاه الأجانب. وتنشر بروباغندا تقول فيها لقد "تم الاستيلاء على تركيا من قبل الشباب الأجانب".
الانتقادات التي كانت في البداية سلمية تحولت إلى أعمال عنف أيضاً. ففي أغسطس 2021، دمرت عصابة محلات سورية في أنقرة، لأن أصحابها لا يدفعون الضرائب ويعيشون على المساعدات الحكومية، بحسب زعم رجال العصابة. وفي منتصف يناير 2022، قتلت مجموعة مقنعة السوري نائل النايف البالغ من العمر 19 عاما في إسطنبول أثناء نومه في شقته. وفي يونيو 2022، أطلقت القوات الأمنية التركية النار على 35 لاجئا في مدينة عصمانيه، لأنهم حاولوا الهرب من ملجأ اللاجئين. كما تعرض العديد من اللاجئين للعنف بعد الزلازل الكبرى في فبراير، لأنهم اعتبروا مخربين.
ويرى الباحثون في شؤون الهجرة أن المزيد والمزيد من اللاجئين يرغبون في مغادرة تركيا، وخاصة في اتجاه أوروبا. "هؤلاء لا يرون مستقبلاً في سوريا ويشعرون بعدم الأمان في تركيا"، كما يقول الباحث في شؤون الهجرة مراد أردوغان. وقبل أربع سنوات، أراد 25 بالمائة من السوريين مغادرة تركيا والهجرة إلى بلد ثالث، وفقًا لـ"بارومتر السوريين". كما أشارت آخر دراسة إلى أن نسبة الراغبين في الهجرة وصلت إلى 55 بالمائة. ويعتقد مراد أردوغان: "إذا سألناهم الآن، فإنه من المؤكد أنهم سيتجاوزون حاجز 70 بالمائة".
فيديو قد يعجبك: