عمر سليمان .. المخابراتى الذى رحلت معه أسرار مصر
كتب - محمد طه:
لم يكن كل المصريون يعرفونه قبل هذه النقلة الفارقة في حياته السياسية، فلقد ظل الرجل لفترة طويلة يعمل في المكاتب السرية لجهاز المخابرات العسكرية والعامة.
وحتى بعد أن تولى منصب نائب الرئيس، لم يعرف أحد عن طبيعته الكثير؛ ليس فقط لقصر فترة توليه هذا المنصب والتي لم تتجاوز الأسبوعين، ولكن لأن الرجل كان مثالًا لرجل المخابرات الذي لا تستطيع الجزم بحقيقة شخصيته.
عمر سليمان الذي ظل يتدرج في المناصب بالقوات المسلحة حتى وصل إلى منصب رئيس فرع التخطيط العام في هيئة عمليات القوات المسلحة، ثم منصب مدير المخابرات العسكرية كُلف بتولي رئاسة جهاز المخابرات العامة المصرية عام 1993، ليبدأ بذلك حياة ستكون فيما بعد مسار جدل واختلاف كبيران.
علاقته بإسرائيل..
تولى سليمان بعد توليه منصب رئيس جهاز المخابرات العامة ملف القضية الفلسطينية بتكليف من الرئيس السابق مبارك، وكانت مهمته الوساطة حول صفقة الإفراج عن الجندي الإسرائيلي ''جلعاد شاليط'' الأسير لدى حركة المقاومة الفلسطينية ''حماس''، وإدارة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيلين، بجانب توليه مهام دبلوماسية في عدد من الدول الإفريقية بشأن العلاقات بينها وبين مصر، وبالأخص السودان.
وفي شأن هذه الملفات، فإن فترة بعد ثورة يناير قد حملت الكثير من الاتهامات لسليمان، واتهمه سياسيون بأنه كان يدير المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بما يخدم صالح إسرائيل، خاصة بعد أن حلت قضية الأسير الإسرائيلي بمبادرة مصرية بعد الثورة، واعتبره أخرون أنه رجل إسرائيل في المنطقة، هذا بجانب اتهامه بالتخاذل في شأن الجدار الفاصل الذي وصل إلى الحدود المصرية الإسرائيلية، وتقاعصه في إدارة ملف مياه دول حوض النيل.
واتهم سليمان أيضًا بالضلوع في عمليات تعذيب ضد معتقليين يشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة، كانت قد أرسلتهم الولايات المتحدة من أفغانستان إلى مصر.
سليمان.. نائبًا لمبارك
لقد كان سليمان هو الرجل المتوقع سياسيًا وعالميًا أن يخلف مبارك في حكم البلاد، لكن لعل ورود فكرة التوريث في القصر الرئاسي قد أطاحت بكل أمل للرجل، ولعل ذلك هو السبب فيما أثير عن أن سليمان كان من أكثر المعارضين لفكرة التوريث، التي عارضها أيضًا وزير الدفاع المشير طنطاوي، ولعل هذا هو السبب في ما أثير من شائعات حول محاولة اغتياله في فبراير 2011، التي أكدها وزير الخارجية السابق أحمد أبو الغيط.
وفي التاسع والعشرين من يناير 2011 عين مبارك ''عمر سليمان'' نائبًا له، في خطوة وصفت بأنها تهدئة للثورة الشعبية التي قامت ضد نظامه في الخامس والعشرون من يناير، وكانت مهمة سليمان حينها هي إدارة حوار مع قوى المعارضة بخصوص الإصلاح الدستوري.
وفي 10فبراير 2011 أعلن مبارك عن تفويض سليمان بصلاحيات الرئاسة وفق الستور، ولم ينجح سليمان في تهدئة الشارع وخفق في مهمته، حتى أعلن في الحادي عشر من فبراير2011 تنحي مبارك عن السلطة وتكليفه للمجلس العسكري بإدارة شئون البلاد، لتنتهي فترة تولي سليمان نيابة الرئيس.
سليمان.. يراوده الحلم القديم..
في يوم السادس من إبريل من العام الجاري أعلن سليمان ترشحه لانتخابات الرئاسة، قبل يومين من غلق باب الترشيح، وكان قد أعلن سابقًا أنه لن يترشح، لكنه أرجع عدوله عن القرار إلى استجابته لمطالب الجماهير التي طالبته بالترشح، وشرعت في تحرير التوكيلات المطلوبة في هذا الشأن.
وكان عدد من مؤيديه قد تظاهروا في ''ميدان العباسية'' لمطالبته بالترشح.
ووسط حشد من مناصريه، وتعزيزات أمنية من قوات الجيش والشرطة توجه سليمان يوم7إبريل إلى اللجنة العليا للانتخابات؛ لسحب أوراق الترشح، وفي اليوم التالي قدم سليمان أوراق ترشحه للجنة قبل غلق باب التقديم بـ20دقيقة، ليعود إلى الرجل حلم حكم مصر من جديد بعد أن كان موءودًا بفعل التوريث، وبعد بفعل الثورة.
لكن الحلم لم يستمر طويلًا، ففي يوم 14 إبريل من العام الجاري قررت اللجنة العليا للانتخابات استبعاد سليمان، بعد خطأ في التوكيلات المؤيدة لترشحه، لينتهي حلم الرجل نهائيًا في حكم مصر في أول جمهورية مصرية منتخبة لها.
وكما كانت حياة الرجل تزدحم بالأحداث الهامة والغامضة، فإن وفاته أيضًا جاءت بشكل مفاجأ وفيه شئ من الغموض، وكما كان طريقه محل شك من البعض ومحل فخر من البعض، فإن موته أيضًا ثارت حوله الشكوك والشائعات.
ففي يوم التاسع عشر من يوليو عام 2012 توفي اللواء عمر سليمان بالولايات المتحدة، التي تواجد بها لتلقي العلاج، بشكل مفاجأ جعل الشكوك تحوم حول سبب الوفاة، فقال البعض أنه توفي في الانفجار الذي حدث في مقر الأمن القومي في سوريا، وأنه كان هناك برفقة مسئوليين سوريين، وقال البعض الأخر أنه قتل مسمومًا، لأن هناك من يريد إسكاته إلى الأبد خوفًا مما لديه من ملفات هامة، فقد كانت هناك شائعات تقول بأن الرجل هدد بفضح ما لديه من أسرار، فيما أكد مقربين منه أنه كان يخضع لفحوصات طبية، وأنه كان يعاني من ألم شديد موخرًا في القلب، نقل على إثره إلى ألمانيا للعلاج ومنها للولايات المتحدة وتوفى هناك فجأة.
الحقيقة الوحيدة في حياة رجل المخابرات اللواء عمر سليمان هي أنه لم يكن رجلًا عاديًا، بل كان رجلًا تمتلئ حياته بالأسرار والألغاز، رجل حمل من الملفات الهامة لمصر الكثير، وذهبت معه حقائق كثيرة عن فترة من أهم فترات الوطن الذي نحيا به.
فيديو قد يعجبك: