كيف تقلل مصر من أضرار سد النهضة الإثيوبي؟
كتبت - هبه محسن:
أزمة "سد النهضة" قائمة بين مصر وإثيوبيا منذ سنوات، ولكنها تفجرت مؤخراً مع القرار الإثيوبي المفاجئ لمصر بتحويل مجرى نهر النيل الأزرق للبدء في عملية البناء، قبل صدور تقرير اللجنة الثلاثية المكلفة بدراسة أضرار السد على كلاً من دولتي المصب مصر والسودان.
القرار الإثيوبي أحدث حالة من الارتباك في مصر وأثار جدلاً شديداً حول قدرة مصر على التحرك تجاه الأزمة التي باتت تهدد الآمن القومي المصري، وأيضاً قدرتها على إيجاد بدائل وحلول لأزمة المياه التي ستواجهها حتماً في المستقبل بوجود سد النهضة أو بدونه، بحسب ما أكد خبراء مياه.
"أضرار السد"
منذ إندلاع أزمة السد وهناك إحصائات ودراسات وخبراء تحدثوا جميعاً عن أضرار سد النهضة وتأثيراته السلبية على مصر، وهذه الأضرار تتمثل في:-
• المياه: انتقاص حصة مصر من المياه الواردة إليها من نهر النيل الأزرق من 55 مليار متر مكعب سنوياً إلى حوالي 46.5 مليار متر مكعب، وسيتسبب السد في عجز مائي يتراوح ما بين 11 إلى 19 مليار متر مكعب سنوياً، وهو ما سينخفض معه نصيب الفرد من المياه.
• الكهرباء: إنتقاض من 20 إلى 30 في من قدرة مصر على توليد الطاقة الكهربية من السد العالي.
• الرقعة الزراعية: سيتسبب سد النهضة في تصحر أكثر من 2 مليون متر من الأراضي الزراعية، مما يعني أزمة غذائية في مصر.
وفي الوقت نفسه، كشف تقرير اللجنة الدولية للخبراء المعنية بدارسة وتقييم دراسات سد النهضة الأثيوبي أن معظم الدراسات والتصميمات المقدمة من الجانب الأثيوبي بها قصور في منهجية عملها كما أنها لا ترقي لمستوى مشروع بهذا الحجم على نهر عابر للحدود، بالإضافة إلى أن الدراسات التي قدمها الجانب الإثيوبي بحاجة للتحديث.
وأشار التقرير إلى أن الجانب الإثيوبي لم يمد اللجنة بالدراسات المتعمقة بشأن حجم التأثيرات البيئة والاجتماعية ومدى خطورتها على دولتي المصب، فضلاً عن عدم توفير الدراسات المتعلقة بتأثير انهيار السد على كلاً من مصر والسودان.
وأكد التقرير أن منسوب السد العالي سيصل إلى أقل منسوب تشغيل له لمدة 4 سنوات متتالية في حال تم ملئ خزان السد في فترات الجفاف، مما يؤدي إلى حدوث تأثيرات بالغة على توفير المياه اللازمة للري وعدم القدرة على توليد الكهرباء، علاوة على إحداث اضرار بيئية واجتماعية تتمثل في الإضرار بالثروة السمكية في بحيرة السد والإضرار بالرقعة الزراعية.
"تقليل الأضرار"
الأوضاع في الأزمات تتطلب دائماً النظر لنصف الكوب المملوء والتفكير خارج الصندوق لإيجاد الحلول، وبما ان بناء سد النهضة الإثيوبي أصبح أمرا واقعا؛ فيمكن لمصر تقليل الضرر الواقع عليها من هذا السد والاستفادة منه، وهذا ما شرحه لنا الدكتور ممدوح حمزة الاستشاري الهندسي، والذي أكد أن مصر يمكنها الاستفادة من سد النهضة على الأقل في سد عجز الكهرباء.
وقال في حديث مع مصراوي إنه يجب التفكير في كيفية السماح ببناء السد الإثيوبي بما لا يضر بالمصالح المصرية.
وأوضح حمزة أن هناك 5 شروط إذا تم تنفيذها ستقلل مصر من حجم الأضرار الواقعة عليها وهذه الشروط يمكن اعتبارها بمثابة حد فاصل بين "الموجهة والعداء"، وفي الوقت نفسه ستستفيد منه،
على حد قوله.
والشروط هي:-
اولاً: توقيع عقد لتوريد الكهرباء إلى مصر بسعر التكلفة على أن يكون هذا السعر تعويضي عن سنوات ملئ السد التي ستتأثر مصر خلالها.
ثانياً: يستخدم السد لتوليد الكهرباء فقط وليس للري، مع اختيار نظام تخزين ملائم.
ثالثا: الاتفاق المسبق على طريقة وفترة ملئ السد، بحيث لا تقل فترة الملئ عن 6 إلى 10 سنوات.
رابعاً: الاتفاق المسبق على طريقة تشغيل محطات الكهرباء والتحكم في فتح وإغلاق بوابات توربينات السد، وكيفية التصرف في مياه التخزين السنوي.
خامساً: تقييم وضع السد على النيل الأزرق، حيث أنه سد تخيلي واحد ويمكن استبداله بعدة سدود ولكن هذا الشرط سيتوقف على رؤية الجانب الإثيوبي.
وأشار حمزة إلى أن إثيوبيا إذا وافقت على هذه الشروط يجب أن تتعاون مصر معها في بناء السد بنسبة 20 في المئة،ً بحيث تحجز لنفسها مقعداً في مجلس إدارته، أما إذا رفضت واستكملت عملية البناء بدون النظر إلى الأضرار التي ستقع على مصر فسيكون هذا بمثابة إعلان الحرب على مصر.
وأكد الخبير الهندسي أن مصر لابد أن تتحرك بشكل فوري للمفاوضات مع إثيوبيا وتعريف العالم بأكمله بحجم الضرر الواقع عليها جراء بناء هذا السد، وإذا لم تفلح هذه الطرق فلن يكون هناك حل أخر سوي المواجهة العسكرية، حسب قوله.
"حلول وبدائل"
وأكمل الاستشاري الهندسي في حديثه مع مصراوي قوله إن مصر تعاني أزمة مياه والوضع الحالى سيمثل مشكلة حقيقية في المستقبل.
وأضاف "رب ضرة نافعة" فشروع إثيوبيا في بناء السد سيجعل مصر تفكر جدياً في بدائل أخرى لمياه النيل، ويجعلها تتبنى سياسات واضحة لترشيد استهلاك المياه والانتقال من سياسة الوفرة إلى سياسة الندرة.
وتابع حمزة "لابد من تبني نظم جديدة للري سواء بالرش أو التنقيط بدلاً من نظام الري بالغمر الذي يهدر آلاف الأمتار المكعبة من المياه، والتوقف عن استخدام المياه لري المساحات الخضراء في المنتجعات السياحية والتجمعات السكنية الضخمة وملاعب الجولف، ولابد من وجود ما يسمي بـ"المسطرة المائية" التي تقيس مدى توافق الاحتياجات مع الموادر المتاحة من المياه".
وأكد أن ترشيد استهلاك المياه يمكن أيضاً أن يتم من خلال التنازل عن زراعة بعض المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه واستبدالها بمحاصيل أخرى لا تحتاج كميات كبيرة من المياه مثل البطاطس والطماطم وهذا يتطلب تغيير مواصفات الوجبة المصرية، هذا بالإضافة إلى إنشاء محطات لتحلية مياه البحر وتغليظ العقوبة على من يهدر المياه.
"كارثة مائية"
ولفت الدكتور ممدوح حمزة إلى أن الزيادة السكانية في مصر ستؤدي إلى كارثة مائية في المستقبل، ولذلك فهناك ضرورة لإعادة تبني سياسات تنظيم الأسرة وفقاً لموارد مصر المائية.
أعرب حمزة عن عدم تفائله بتجاوز مصر هذه الأزمة في ظل الأوضاع الراهنة، مؤكداً ان مصر بحاجة لـ"رجل" يحكمها لان من هم في الحكم الآن لا تعنيهم مصلحة مصر، هكذا قوله.
وقال حمزة "مصر خيبتها تقيلة بعدما قطعت أواصر الصلة مع جميع دول حوض النيل وإفريقيا ودول عدم الانحياز، فهي الآن دولة وحيدة لا أحد يدعمها ويقف بجانبها".
يذكر أن الدكتور هشام قنديل خلال كلمته في مجلس الشوري لمناقشة أزمة السد كان قد أوضح أن مصر تسير في مسارين لحل الأزمة، الأول داخلي يعتمد على تقليل الفجوة بين الموارد والاحتياجات وتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة من المياه، أما المسار الثاني خارجي ويعتمد بشكل أساسي على تعزيز علاقات مصر بدول حوض النيل.
كما أكد الرئيس محمد مرسي أمس أن جميع الخيارات مفتوحة للتعامل مع أزمة سد النهضة، حيث أنها قضية أمن قومي لمصر، مشيرا في نفس الوقت إلى أن القاهرة ليست من دعاة الحرب.
فيديو قد يعجبك: