مُغسل ''قتلى الاعتصام'' يستعيد مع مصراوي ساعات الغضب والدم
كتب- محمد مهدي:
في ساحة مشرحة زينهم، بالقرب من ممرر يقود إلى غرفتين لتغسيل الجثامين، يجلس الشيخ ''سعيد'' مُغسل المشرحة، ينظر بين الحين والآخر إلى يداه المرتعشتين يتذكر تلك الليالي الصعبة التي مرت عليه عقب فض ميداني رابعة والنهضة منذ عام تقريبا ''أيام ربنا ما يعودها.. أنا جالي مرض جلدي في أيديا من وقتها بسبب الغُسل اللي كان شغال مش بيقف'' يقولها بأسى.
لم يتوقع الرجل الأربعيني وقوع الفض، فوجئ في 14 أغسطس الماضي بأعداد القتلى التي توافدت على المشرحة، انهمك في عمله فورا ''سُترة الميت أهم حاجة'' لكن مع مرور الوقت اكتشف أن المشرحة تزدحم بمئات الجثامين ''عندنا غرفتين للغُسل.. ومعايا 3 زملاء كمان بيشتغلوا بس مكناش ملاحقين''.
الراحة فِعل ليس له محل من الإعراب في ذلك الظرف الذي لم يعهده الشيخ ''سعيد'' طوال الـ 18 عام خلال عمله بالمشرحة ''أنا مريحتش ليل نهار شغال لدرجة إن ضهري إتاثر ولغاية دلوقتي بعاني.. دا غير إني كنت بنام على نفسي وأنا بَغَسِل من كتر التعب''.
انهماك مُغسل المشرحة في عمله وقدسية ما يفعله لم يَكتب له النجاة من غضب الأهالي ''كنا بنِشِتم ونسمع كلام صعب وتخبيط علينا واحنا بنشتغل.. بس استحملنا وقولنا ربنا يصبر الناس''، وظل لـ 3 أيام يعمل بشكل متواصل للانتهاء من تغسيل كافة الجثامين-بحسب قوله-.
تعامل ''سعيد'' بجدية مع الأمر، تناسى ألامه، قلة النوم، وكثرة أعداد القتلى التي يتلقاها بين يديه، لكنه كان ينتفظ رهبة عندما يوضع أمامه جثمان طفل ''كان قلبي بيتقبض.. وأسال نفسي دول عملوا إيه لسه في حياتهم''.
''الدنيا لسه بخير'' يقولها الشيخ متذكرا من ظهروا فجأة في المشرحة مُحملين باحتياجات الغُسل وأكفان مجانية يوزعونها على أهالي القتلى لتكفين الجثامين ''ناس ربنا مقدرها على فعل الخير كانت معانا وسترنا الميتين الحمد لله رغم الظروف الصعبة''.
مع كل ذكرى لحادث شَهد سقوط ضحايا، تتحول المشرحة إلى خلية نَحل، تُرفع درجة الاستعداد إلى أقصى درجة تحسبا لوقوع اشتباكات ''بنعمل احتياطاتنا عشان لو حصل حاجة''، ومع اقتراب ذكرى الفض يُقلب الرجل وجهه نحو السماء كل ليلة داعيا ''ربنا يسترها علينا جميعا ويعدي الأيام دي على خير''
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: