مسيحيون في سوريا يبحثون عن وطن بديل
بون، ألمانيا (دويتشه فيله)
بعدما أفرج عنها تنظيم "الدولة الإسلامية"، استمرت العمة سارة في ارتداء حجابها الأسود، حيث إنها تخشى عودة جهاديي التنظيم إلى قريتها. فالحرب الدائرة في سوريا والتي أودت بحياة أكثر من ربع مليون مواطن، لازالت مستمرة.
العمة سارة في بداية عقدها الخامس، التزمت باللباس الشرعي الذي فرضه عليها مقاتلو تنظيم "الدولة الاسلامية" طيلة فترة احتجازها عندهم. تحدثت عن اللحظات الأولى عند سماعها نبأ الافراج عنها إذ لم تصدق ان اسمها من بين الذين يشملهم قرار الإفراج، "نادوا على اسمي عدة مرات؛ وقتها ايقنت انني من بين اللواتي سيفرج عنهنّ".
ذكريات الماضي
شن عناصر "الدولة الاسلامية" هجوماً واسعاً فجر يوم 23 فبراير من العام الماضي، على القرى التي تقطنها الأقلية السريانية الآشورية ببلدة تل تمر، والتي تقع على بعد 45 كيلومتراً إلى الشمال الغربي من مدينة الحسكة (اقصى شمال سوريا).
وتتبع للبلدة ثلاثون قرية ينتمي سكانها للسريانية الآشورية المسيحية. العمة سارة تنحدر من قرية تل شاميرام، احدى القرى التي تعرضت للهجوم آنذاك، حيث بقيت محتجزة على مدى عشرة أشهر وافرج عنها في دفعة أخيرة.
وكان مقاتلو التنظيم قد خطفوا 234 من سكان تلك القرى، حيث افرج عن نصف عددهم على ثمان دفعات كانت آخرها نهاية الشهر الماضي.
عادت سارة بذاكرتها الى لحظات خطفها من منزلها لتروي لـ DWعربية قصتها وقالت: "حبست أنفاسي على مدى خمسة أيام"، وتابعت: "بتنا ليلتنا الأولى في جبل عبد العزيز. وفي اليوم التالي اقتادونا الى منطقة الشدادي وبقينا هناك حوالي أربعة اشهر".
بعدها قام عناصر التنظيم بنقل جميع المختطفين المسيحيين الى مدينة الرقة (شمال سوريا)، "عندما وصلنا قال لنا احد امرائهم ان معاملتنا ستكون حسنة ومختلفة عن الاخريين لأننا من أهل الكتاب".
"لا اكراه في الدين"
وقام عناصر التنظيم بفرزهم حسب قراهم، وفصلوا الرجال عن النساء، وبقي الأطفال دون سن العاشرة مع امهاتهم، وما فوقهم سنا بقي مع الرجال.
كما احتفظت الأخت جانيت بنقابها الأسود، وكلما طرق باب منزلها تذهب الى خزانة الملابس لتتفقده. وأضافت في حديثها مع DWعربية: "عندما كانوا يأخذوننا الى المشفى يطلب منا لباسه، وقد منع علينا استخدام اسمائنا الحقيقية"، وقد حذرهم المقاتلون العرب من الجهاديين الأجانب، باعتبار أنهم يكرهون المسيحيين ويودون قتلهم.
وعندما مرضت احداهنّ واستوجب نقلها الى المستشفى، كان يأتي مقاتل من التنظيم بصحبة زوجته، وفي احدى المرات سالت جانييت زوجة المقاتل والتي كان يبدوا عليها انها حامل، عن سبب مجيئها رغم وضعها الصحي فأجابت: "يمنع على النساء ركوب السيارة بدون محرم، وفي حال مخالفة القوانين يوضع الجاني في السجن، وبما أنكنّ محتجزات يجب مرافقته.
وذكرت ان التنظيم كان يرسل اليهم كل خمسة عشر يوماً، شيخاً يدعوهم لدخول الدين الإسلامي، وأوضحت أنهم "لم يجبروا احدا على اعتناق الإسلام، وكان يؤكدون لنا دائماً انه لا اكراه في الدين".
ووفق تقارير دولية ومصادر اشورية مسيحية، يبلغ عدد السريان الآشوريين المتبقين في سوريا نحّو مائة ألف من بين مليون ونصف مليون مسيحي في سوريا، يعيش معظمهم في مدينتي الحسكة والقامشلي، وبعد اندلاع الانتفاضة الشعبية المناهضة لنظام الحكم في سوريا، نزح الكثيرون منهم خصوصا الآشوريون خلال الصراع المستمر منذ حوالي خمسة أعوام.
أجراس لا تقرع
صمتت أجراس الكنائس بسبب الخراب والدمار التي لحق بها من طرف عناصر تنظيم الدولة الاسلامية من حرق ومن تفجير. وينذر هذا المشهد بقتل التنوع في مدينة الحسكة السورية وإرغام الأقليات الدينية على مغادرة المشرق نهاية الأمر.
ووصف الكاتب والباحث في شؤون الأقليات سليمان اليوسف حديثه مع DWعربية المشهد بأنه "أليم وقاتم جداً". ويرى أن الآشوريين وأفراد الأقليات عموماً "وقعوا ضحية صراعات وحروب الآخرين على السلطة وعلى من يحكم المنطقة، خاصة في الصراع (السني- الشيعي) في سوريا والعراق وأيضا بسبب التدخلات الإقليمية والدولية في هذه الصراعات".
ولحقت أضرار مادية جسيمة بكنسية "السيدة مريم العذراء" في قرية تل نصري بريف بلدة تل تمر، وطال الدمار والخراب كنيسة "الربان بثيو" في قرية تل هرمز، وأحرقت كنيسة "قبر شامية" المعروفة باسم مار جرجس. وأصيب عدد من كنائس ريف الحسكة الغربي بالحرق والدمار.
ويرى اليوسف أن وجود الأقليات بات مهدداً في دول المشرق العربي في ظل الحروب الأهلية المفتوحة والطويلة المدى، كما طالب بضرورة "توفير الحماية الدولية للمسيحيين في الوقت المناسب، وإلا سنرى شرقاً دون مسيحيين ودون إيزيديين، حيث إنهم يغادرون أوطانهم للبحث عن أوطان بديلة توفر لهم الأمان والاستقرار والمستقبل لأجيالهم".
فيديو قد يعجبك: