بعد إغلاق ''ماكس'' المهندسين.. زينب شريدة والدولار السبب
كتب- محمد قاسم:
في ظل وضع اقتصادي مضطرب لم تتحمل شركات عالمية تستثمر أعمالها في مصر منذ سنوات تبعاته السيئة، سقطت ''زينب'' ضحية إغلاق أحد فروع ''ماكس'' للملابس التي تتبع شركة ''لاند مارك'' الإمارتية المنتشرة في 15 دولة مختلفة ولها أكثر 226 فرعا حول العالم من بينها فرع المهندسين الذي كانت تعمل به ''زينب''.
زينب (29 عاما) لم تكمل تعليمها. توقفت عند المرحلة الابتدائية. لديها طفلان أكبرهما عامين ونصف العام. تُعيل أسرتها بعدما أصبح زوجها جليس مرضه بـ''ورم في الرئة''. بدأت عملها في فرع ''ماكس'' بالمهندسين منذ افتتاحه. فوجئت في سبتمبر الماضي بتوقفه عن العمل؛ فوجدت نفسها شريدة، مع أكثر من 30 من زملائها من العاملين في الفرع.
افتتحت ''ماكس'' فرعها في شارع جزيرة العرب بالمهندسين، في سبتمبر 2015، وكان ترتيبه العاشر بين الفروع في القاهرة. اضطرت الشرطكة لإغلاقه قبل أن يتم عامه الأول.
حديث زينب، أكده محمد، شاب يعمل بـ''كشك'' مواجه لمقر ''ماكس''، لمصراوي، وقال إن الفرع أغلق وتم تسريح موظفي الفرع لعدم تحقيقه الأرباح المطلوبة.
بدورنا حاولنا التواصل مع مسؤولين بشركة ''لاند مارك'' عبر الإيميل لكن لم نتلقى ردا، كما قمنا بالاتصال بفرع الشركة عبر التليفون رد علينا أحد موظفيها ووعدنا بالرد لكنه لم يرد على الهاتف حتى اللحظة.
تقول الدكتورة عالية المهدي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، إن تبعات الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد ''وقعت وقع السوء على سوق الاستثمارات في مصر''، لافتة إلى أن ''شح العملة الأجنبية'' في البنوك يعد سببًا رئيسياً وراء تقليل بعض الشركات العالمية التي تملك استثمارات ضخمة في مصر نشاطاتها.
وتحفظت المهدي على أسماء عدة شركات استثمارية قالت إنها تنسحب من السوق المصري.
تؤكد ''زينب'' أن ايرادات الفرع خلال شهري يوليو وأغسطس الماضيين، انخفضت بشكل كبير ولم يحقق الفرع ما كان قيمة إيجار مكان وكذلك مرتبات الموظفين وهي من بينهم.
ركود اقتصادي
ويعاني الاقتصاد منذ الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في يناير 2011 وأدت إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي تسببت في عزوف السياح والمستثمرين الأجانب وهما مصدران أساسيان للعملة الصعبة في البلاد.
''ماكس'' لم تكن وحيدة فسبقتها في منتصف سبتمبر، الخطوط الجوية الملكية الهولندية ''كاي أل أم''، بعدما أعلنت أنها ستوقف رحلاتها إلى القاهرة مؤقتا بدءا من يناير المقبل، بسبب أزمة العملة الصعبة في مصر التي تمنعها من تحويل أرباحها إلى الخارج.
وذكر بيان للشركة أن آخر رحلة جوية لها من القاهرة ستكون يوم 7 يناير.
وتوضح المهدي أن ''غالبية الشركات العالمية تجد مشكلة في تحويل الأرباح التي تحصلها جراء عمليات البيع بالجنيه المصري إلى ''الدولار'' في وقت يعاني البنك المركزي المصري من عدم وجود احتياطي نقدي أجنبي كاف لديها''.
وخفضت مصر قيمة الجنيه بنسبة 13 في المئة في مارس الماضي في سعي لتقليل الفجوة بين الأسعار الرسمية وتلك الموازية في السوق السوداء حيث يباع الدولار الآن بأكثر من 15.5 جنيه مقارنة مع سعر رسمي لا يزيد على حوالي 8.8 جنيه، ودفع تقنين الدولار في البنوك رجال الأعمال صوب السوق السوداء.
وأكدت المهدي أن نقص العملة الصعبة زاد من صعوبة الاستيراد بالنسبة للشركات، وصعوبة تحويل الأرباح للخارج بالنسبة للمستثمرين الأجانب دفعت بعض الشركات لسحب بعض استثماراتها وتقليله من القيود المفروضة على حركة رؤوس الأموال والواردات، فينتهي الأمر بتشريد موظفيها.
وبلغ الاحتياطي المصري من العملة الأجنبة 19.6 مليار دولار حتى بداية سبتمبر. واتفقت مصر في أغسطس الماضي مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار على مدى 3 سنوات لسد عجز الميزانية المتفاقم.
إجراءات قرض صندوق النقد
وبعد خسارة زينب للعمل بأيام، أقر الرئيس عبد الفتاح السيسي، بداية سبتمبر، قانون ضريبة القيمة المضافة وحدد زيادة نسبة الضريبة بقيمة 13 في المئة تزيد إلى 14 في المئة مع بداية السنة المالية المقبلة، الأمر الذي صاحبه ارتفاع أسعار بعض السلع والخدمات مع إعفاء العديد من السلع الغذائية والخدمات الصحية.
أضافت زينب '' كنت باخد 900 جنيه مرتب في الشهر، وكانت مستورة بصرفهم على علاج زوجي وأأكل عيالي، وساعة ما أمشي من الشغل الأسعار تغلى!''
يأتي تطبيق قانون الضريبة المضافة ضمن شروط طلبها صندوق النقد مقابل القرض. وينتظر الصندوق اجراءات أخرى على رأسها خفض دعم الوقود، وتعويم الجنيه عن طريق التحول بسعر الصرف إلى نظام تحدده السوق بشكل أوسع. فيما لم تُقر الحكومة أيًا من تلك الاجراءات حتى الآن.
وتتوقع المهدي أن يكون تحرير سعر الصرف حلًا لمشكلة سحب بعض الشركات لاستثمارتها لكن دعت أيضًا إلى تعديل القوانين والتشريعات الاستثمارية، وضرورة دعم الإعلام للإستثمار وتشجيعه له والبعد عن سياسة التخويف.
وتُظهر بيانات وزارة الاستثمار أن إجمالي الاستثمارات في تأسيس الشركات وتوسعاتها (محلية وأجنبية) بلغ 9.6 مليار دولار خلال التسعة أشهر الأولى من العام الحالي، منها 7.9 مليار دولار استثمارات محلية.
كما تشير بيانات البنك المركزي، إلى زيادة صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر (شاملا محفظة الأوراق المالية وشراء الأراضي والعقارات) بنحو 6.3 في المئة خلال العام المالي 2015-2016 (المنتهي في يونيو الماضي)، لتبلغ قيمته 6.8 مليار دولار. وبالمقارنة بالعام الماضي انخفضت الاستثمارات بواقع 0.6 في المئة.
وبينما تبحث ''زينب'' عن عمل جديد، اقترح رجل خمسيني يعمل في أحد الجراجات، مشاركتها في مشروع عربة لعمل السندوتشات مواجهة لمقر عملها السابق، واتفق معها على مشاركته بالدعم المادي للمشروع في مقابل وقوفها هي للبيع. لكنها وقعت ضحية أيضا في يد الرجل، وتقول: ''مرضيش يديني فلوس بحجة الخسارة''، بينما ترمق عملها القديم.
فيديو قد يعجبك: