إعلان

معامل العلوم والاقتصاد المنزلي والزراعة خارج نطاق الخدمة في المدارس الحكومية

10:29 ص الأحد 29 مايو 2016

تحقيق- علياء أبوشهبة:

التجربة العلمية التي تحفر المعنى في ذهن الطالب لتحفزه على المزيد من الإبداع أو على الأقل تجعله مستعدا للتعامل مع متطلبات الحياة، أصبحت في ذيل اهتمام الكثير من المدارس، وهي الكارثة التي تزيد من تشوه المنظومة التعليمية في مصر، وهو ما رصده "مصراوي".

شمل الرصد معامل العلوم وحجرات الاقتصاد المنزلي والتربية الزراعية، ومن خلال جولة شملت مدارس في مناطق المنيل والسيدة زينب وشبرا ومدينة نصر، تنوعت بين المدارس الحكومية والتجريبية والخاصة ذات المصروفات الدراسية المنخفضة إلى حد ما، وجد أن غالبية هذه المدارس ليس بها طابور مدرسي لأنها ببساطة لا تحتوي على ساحة لممارسة أي نشاط بدني، أما بالنسبة لمعمل العلوم فغالبيتها الأدوات به قديمة وغير مستخدمه، ولا يختلف كثيرا حال معمل الاقتصاد المنزلي عن معمل العلوم فإذا وجد فإن الأدوات تكون قديمة مثل بوتاجاز قديم تكسو شعلاته اللون الأسود إضافة إلى معدات وأطباق مكسورة.

وشهدت كثير من المدارس غياب حجرة التربية الزراعية.

غياب الطلاب والنشاط 

في إحدى المدارس الثانوية الخاصة في المنيل "مصراوي" تواصل مع مدير المدرسة وبسؤاله عن حصص النشاط في المدرسة رد قائلا:" نشاط إيه إحنا معندناش نشاط في ثانوي لأن نسب الغياب كبيرة ممكن يكون فيه في مدارس ابتدائي وإعدادي".

وفي إحدى المدارس الابتدائية الخاصة في السيدة زينب ومقرها عبارة عن عمارة سكنيه تضم مجموعة من الفصول الدراسية تشغل طوابق المبنى، ولا يوجد حصة ألعاب ولا طابور مدرسي، ويوجد حجرة مخصصة للتربية الفنية وأخرى معمل لمادة العلوم يضم معدات قديمة تغطيها الأتربة، وقالت "ندى معوض" مدرسة مادة العلوم، إن ميزانية المعمل السنوية ضعيفة كما أن المعدات أغلبها محطم أو تالف، ويتم أحيانا نقل الطلاب للمعمل لشرح الحصه بشكل مماثل لما يحدث في الفصل المدرسي.

والدة الطفل "إيهاب"، الطالب في مدرسة "سانت كاترين" في شبرا، وهو اسم مستعار حفاظا على الطفل خوفا من تعرضه للمضايقات من إدارة المدرسة، قالت ل"مصراوي" إنها اختارت هذه المدرسة خصيصا نظرا لانخفاض تكلفة مصروفاتها الدراسية نظرا لعدم وجود فناء في المدرسة وعدم الاهتمام بالأنشطة وهو ما يزيد من مصروفات المدارس عادة.

أضافت أنها رغم ذلك كل عام تصدم عند سداد المصروفات بزيادة قيمتها عن العام الماضي، "أل رضينا بالهم والهم مش راضي بينا"، عبارة ذكرتها والدة إيهاب وهي تتحسر على حال التعليم المتردي.

قال "يوسف منير" الطالب في الصف الخامس الابتدائي إنه لا يعرف الفارق بين إعطاءه حصة العلوم في المعمل والفصل لأنه في كلتا الحالتين يشرح المعلم الدرس ثم يقومون بكتاباته في دفاترهم المدرسية.

محدودية الميزانية

داخل إحدى المدارس الحكومية في شارع القصر العيني وتضم مبنى متهالك تضم فصوله الضيقة عشرات الطلاب، وفي مقابلة مع "فاتن سليمان"، مدرسة مادة العلوم في المدرسة قالت إن مساحة المعمل ضيقة كما أنه يحتاج إلى صيانة وإصلاحات كثيرة هذا بخلاف المعدات القديمة، مضيفة أن العدد الكبير للطلاب لا يتيح التجربة العملية.

في إحدى المدارس الخاصة في مدينة نصر، والتي يوجد بها حجرة للاقتصاد المنزلي تضم الكثير من الأوراق وأدوات المطبخ المتهالكة إضافة إلى موقد قديم يغطيه السواد، وفي مقابلة مع مدرسة الاقتصاد المنزلي قالت :" الحصة مهمله ليست من أولويات المدرسة لأنها تكون عادة في نهاية اليوم الدراسي، ولا تهتم إدارة المدرسة بشراء أي خامات لذلك أكتفي بالشرح النظري".

"أنا بحب حصة الاقتصاد المنزلي بعرف منها معلومات كتيره حلوه بس الحصه كتير بتتلغي عشان نخلص المنهج"، هذا ما قالته سلمى دياب، الطالبة في الصف الثاني الإعدادي في إحدى المدارس التجريبية في السيدة زينب.

وفي نفس المدرسة قالت "ماجدة سمير"، مدرسة الاقتصاد المنزلي: "عدد الطلاب كبير وغرفة الاقتصاد المنزلي صغيرة وبها أدوات متهالكة، كما أن قدرات الطلاب المادية لا تسمح بشراء خامات أي تطبيقات عملية معدات الخياطة بالتالي تكون الحصه نظرية في الغالب نظرا لضعف الميزانية السنوية".

"آيه جمال" طالبة في السنة النهائية في كلية التربية قسم كيماء، قالت ل"مصراوي" إن التدريب العملي في المدارس يكون في الفصول وترفض إدارات المدارس دخول طلاب كلية التربية إلى معامل العلوم لأن غالبيتها قديم ولا يتم إجراء التجارب العملية فيه كما هو مفترض.

النشاط مقابل التحصيل العلمي

"مدرسة مدينة نصر التجريبية الموحدة" تم بنائها بتمويل من الحكومة الألمانية، وهي تضم جميع المراحل التعليمية وتضم المدرسة معامل متخصصة لفروع المواد العلمية من فزياء وكيمياء وأحياء، كما يتواجد بها حجرة كبيرة للاقتصاد المنزلي وأخرى للتربية الزراعية والفنية.

قالت ياسمين محمد، طالبة في الصف الأول الإعدادي إنها تستمتع كثيرا بحصة التربية الزراعية التي تتعلم فيها كيفية الإعتناء بالنباتات، وأنها تحب أيضا حصة الاقتصاد المنزلي التي تعلمت فيها كيفية إعداد الكيك.

"طارق حسام" والد لطفلين في المرحلة الابتدائية له تجربة مؤلمة فقد جذبه بريق المدارس الخاصة ذات المصروفات الدراسية الفلكيه والتي تضم حمام سباحه وملعب ضخم ومساحة كبيرة لممارسة الأنشطة المتنوعة، ومقرها مدينة 6 أكتوبر بالقرب من سكنه، وظن على مدار 5 سنوات يعتقد أنه وجد لطفليه المدرسة المثالية، وكانت إدارة المدرسة دوما تحذر من متابعة المستوى الدراسي للطفل والذي يقضي يومه ليدرس ويذاكر مع معلميه ليعود في نهاية اليوم لتناول العشاء مع أسرته ثم يلهو قليلا وينام.

"انبهرت بإمكانيات المدرسة حتى صدمت عندما تابعت المستوى الدراسي لابني فوجدت أنه متعثر في القراءة ولا يحفظ جدول الضرب وعندها تأكدت أن المظاهر والمصروفات الدراسية المرتفعة ليست موضع ثقة، كما أنه لا بديل من المتابعة المباشرة مع الطفل".

"غادة عبدالسلام" محاسبة في إحدى البنوك لديها ثلاثة أبناء في مراحل تعليمية مختلفة أكبرهم في الثانوية العامة وأصغرهم في الابتدائية، قالت إنها تحاول توعية الأسر عبر وسائل التواصل الاجتماعي باختيار المدرسة التي تعطي أبنائهم المضمون التعليمي والتربوي الجيد بعيدا عن الانبهار بالإمكانيات الكبيرة للمدرسة لممارسة الأنشطة المدرسية؛ والتي تغري الأسر لدفع مصروفات دراسية باهظة.

أضافت قائلة إن لها تجربة سيئة مع إحدى المدارس المشهورة في طريق الإسماعيلية اكتشفت أن مستوى التعليم سيئ رغم الدرجات الدراسية المرتفعة لأبنائها.

غالبية المدارس التي شملتها جولة "مصراوي" لا يوجد بها مدرس لمادة التربية الزراعية، أو أنه نشاط غير مفعل نظرا لعدم توفر الإمكانيات اللازمة.

"ندى عبدالجواد"، طالبة في كلية الزراعة جامعة عين شمس، أنشأت صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك من أجل التواصل بين طلاب الكلية وتعريف الطلبة الجدد بأقسام الكلية ومجالات العمل، وعندما تواصلنا معها لسؤالها عن سبب عدم وضعها لمهنة "مدرس التربية الزراعية" بين المهن التي يمكن أن يعمل فيها خريج كلية الزراعة ردت قائلة :"يعني إيه تربية زراعية هو فيه حاجة اسمها كده؟".

نموذج مشرق

"نجلاء حسين"، مدرسة تربية زراعية في مدرسة الثانوية الجديدة بنات في أبو قرقاص في المنيا، تعتبر نموذج إيجابي رصده "مصراوي" أثناء التحقيق لأنها برغم محدودية الإمكانيات والتعقيدات الروتينية لديها تجربة مهنية ناجحة.

قالت لـ"مصراوي":" بكل أسف حصص النشاط ليست موضع اهتمام؛ تكون في نهاية اليوم الدراسي أو ملغاه بحجة إنهاء المنهج، وعندما بدأت عملي منذ 6 سنوات كنت معلمه بالحصة وعملت في مدرسة ثانوية زراعية ثم عملت في مدرسة ابتدائية بعقد مميز وتم تثبيتي بعد الثورة، وفي المدرسة الابتدائية كانت حجرة التربية الزراعية ضيقه جدا وفي الطابق الرابع والأخير، بخلاف الأدوات المتهالكة، وعدم وجود مصدر للمياه، والميزانية السنوية 50 جنيها بشرط تحقيق أرباح وعدم شراء عهده مستديمة حتى لو كانت قفل لإغلاق الغرفة، هذا بخلاف شرط احضار فاتورة تضم رقم بطاقة البائع حتى لو كانت لشراء ليمون بقيمة 50 قرشا".

تكمل قائلة:" كنت أضطر لشراء النباتات على نفقتي الشخصية وكانت يتم سرقتها، وكنت أقوم بذلك لسعادتي باستمتاع الطلاب بالنشاط، وكنت أنظم زيارات ميدانية للحدائق مستعينة بميزانية نشاط التربية الاجتماعية، وكان الفصل الواحد يتم تقسيمه من 10 إلى 12 طالب في كل نشاط لأن سعة المكان لا تستوعب أكثر من ذلك؛ وكان النشاط مكتبة واقتصاد منزلي وتربية اجتماعيه ونشاط صناعي".

بعدها انتقلت الأستاذة نجلاء حسين إلى المدرسة الثانوية الحالية التي تعمل فيها؛ والتي يتم فيها تطوير التعليم من خلال الجهود الذاتية والتبرعات، وتمكنت من تنظيم نشاطات تمثلت في تصنيع منتجات الألبان والعصائر بخلاف الشتلات الزراعية وإعداد الفشار، وقامت بتنظيم معرض مدرسي في شهر أبريل الماضي.

أهمية التعليم الزراعي

دكتور مختار ممدوح محمد، الأستاذ في كلية الزارعة جامعة أسيوط، قال ل"مصراوي" مصر بلدا زراعيا في المقام الأول ومن المفترض أن يكون تدريس الزراعة على رأس أولوياتها، لكنه في ذيل التنسيق، " من يقول أن يكون لدينا 1500 خريج هندسة سنويا وحوالي 200 طالب خريج لكلية الزراعة".

وأضاف أننا نعيش في 3% من مساحة مصر، بالتالي التفكير في تشجيع التعليم الزراعي لابد أن يكون هدفا، مضيفا أن طالب الزراعة يكون مستوى التحصيل العلمي له ضعيف لأنه مجموعه في الثانوية العامة لا يتعد 60%، كما أن التعليم الثانوي الزراعي مستواه سيئ، "نحاول تطوير المناهج العلمية باستمرار لكن قدرات الطلاب ضعيفة".

تأثير الزيادة السكانية

دكتور أشرف عبدالعزيز، عميد كلية الاقتصاد المنزلي جامعة حلوان، قال ل"مصراوي" إن السبب الرئيسي وراء التردي في الاهتمام بحصص النشاط العملي هو زيادة عدد السكان لأنه من المفترض أن يواكبه زيادة في عدد الأبنية التعليمية، كما أن أعداد الطلاب تزيد عن 40 طالب والمنشأة بنفس السعه التي لم تعد تستوعب الزيادة الطلابية.

هل يتم التعليم بالشكل الأمثل؟ سؤال أجاب عليه عميد كلية الاقتصاد المنزلي قائلا إن ضعف الإمكانيات والمعدات يعيق التطبيق العملي فضلا عن أن الحصص تضم جانب نظري متمثل في التعريف بمعلومات هامة مثل عناصر الوجبة الغذائية المتكاملة وأساسيات الخياطة والتفصيل؛ لكن لا يوجد وعي كافي بأهمية هذا المضمون التربوي.

انهيار منظومة التعليم

حول حال حصص النشاط في المدارس وتأثير ذلك على منظومة التعليم ، قال دكتور محمد عبد العاطي، عميد كلية التربية سابقا، لـ"مصراوي" إن التعليم يحتاج إلى ثورة لهدم القديم وإعادة بناء الجديد وفق معطيات العصر الحديث، مضيفا:" ليس لدينا مناهج ولا مباني ولا مدرس تم تأهيله جيدا ولا متعلم يبتغي العلم فعلا؛ لدينا شبه مدارس وشبه تعليم والطالب يريد شهادة يعلم جيدا أنها لا قيمة لها، وإذا كانت مسألة شكلية لا داعي أن يكون هناك فناء ومسرح ومجلة حائط لأن الأمر كله لا ينظر إليه بجدية.

أضاف عميد كلية التربية سابقا أن التعليم الذي ينبغي أن نكون عليه يضم كافة الأنشطة من فنون ومسرح وتربية رياضية وزراعية واقتصاد منزلي، ولكننا للأسف تراجعنا وسبقتنا الكثير من الدول، وأول إصلاح الذات نقد الذات، بالتالي لابد من الوعي بالمشكلة من أجل اتخاذ إجراءات لإصلاحها.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان