أسامة الأزهري: تجديد الخطاب الديني "عملية متعثرة".. والأئمة يحتاجون لتأهيل كبير - حوار
كتب- محمود مصطفى:
تصوير- محمود بكار
قال الدكتور أسامة الأزهري- مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية، وكيل اللجنة الدينية بمجلس النواب، إن تجديد الخطاب الديني "عملية متعثرة" تشبه المخاض
العسير، مشيرًا إلى أن تعامل المؤسسة الدينية مع ذلك الملف الكبير لم يكن بالشكل اللائق والمطلوب منها.
وأضاف الأزهري- في حواره لـ"مصراوي"، أن اختزال تجديد الخطاب الديني في الندوات والمؤتمرات يدل على قصور شديد في الرؤية وإدراك المهام المطلوبة، مشددًا على
أن مناهج الأزهر في حاجة إلى تعديل.. وإلى نص الحوار..
بداية.. كيف تري عملية تجديد الخطاب الديني الآن؟
تجديد الخطاب الديني عملية متعثرة تشبه المخاض العسير، ومع كامل الاحترام لكل الجهود المبذولة فيها من مختلف مؤسساتنا الدينية، إلا أن ذلك كله دون المستوى المطلوب بكثير، وما زالت الفجوة واسعة جدًا، حيث أن تيارات التطرف والتكفير والقتل ما زالت تنطلق وتمرح بكل قوة، وتختطف كل يوم عقولًا جديدة من أبنائنا وشبابنا، وفي المقابل تولدت موجات من اللادين، والانطلاق إلى الإلحاد، كل هذا مع وجود احتياج ملح إلى انطلاق وطننا إلى آفاق التقدم والرخاء وتجاوز كل صور التخلف والمرض والفقر، مما تشتد معه الحاجة إلى الأزهر في الدعم المعنوي لشعب مصر العظيم ليتجاوز أزماته، ويعيد تشغيل ثرواته.
وقد مرت عقود وقرون ووطننا العظيم يجد في الأزهر الشريف مسعفًا ومنقذًا شديد السرعة والفاعلية في الأخذ بيد الوطن في أوقات الشدائد، كما حصل في الحملة الفرنسية حيث رأينا المد الوطني وثورات طرد المستعمر تخرج من رحاب الأزهر، ورأينا دور الأزهر في ثورة 1919م، ورأينا الدور الكبير للأزهر في الإعداد النفسي والمعنوي لجيش مصر العظيم لخوض حرب أكتوبر المجيدة، وهكذا ظل الأزهر فاعلًا ومؤثرًا وسابقًا، وعلى مستوى الحدث في كل أطوار تاريخ مصر العظيم، بحيث لا تفتقده مصر أبدًا في وقت عصيب إلا ووجدت الأزهر يفتدي الوطن بنفسه وأبنائه، فترسخت علاقة استراتيجية عميقة بين مصر وبين الأزهر الذي صار ابنًا بارًا بالوطن، ومؤسسة استراتيجية من أهم مؤسسات الوطن في أمنه القومي ودوره الرائد لكل الشعوب العربية والمسلمة، ولأجل كل هذه الخلفية فإن اضطراب الأداء من مؤسسة الأزهر في ظروفنا الراهنة، وشدة تباطئه وعدم مسارعته، يترك في نفوس المصريين عتابًا كبيرًا.
وظهر هذا مرات في كلمات رئيس الجمهورية على مدى سنتين ماضيتين، كان أخرها احتفال المولد النبوي الماضي الذي فرق فيه بين احترام شخص الإمام الأكبر وأننا جميعًا نحبه ونقدره ونحترمه، وهذا أمر لا يختلف عليه أحد، وبين شدة العتاب على قصور الأداء من المؤسسة، حتى ختم الرئيس كلامه بقوله: "الناس في العالم كله تنظر للأزهر لإحياء القيم الأصيلة، ولا تنظروا إلى جديتي في الكلام إلا أنها غضبة لله".
من وجهة نظرك.. ما السبب في ذلك؟
السبب يرجع لعدم وجود رؤية واضحة، أو العمل بالسرعة اللازمة التي تستوعب حساسية المرحلة التي نعيش فيها.
هل ترى وجود خلاف بين الأزهر والأوقاف على مسألة تجديد الخطاب الديني؟
لا أحب التوقف أو التعليق على هذه النقطة، لكن هناك مثلًا عمل منظم على مدى عقود مضت يستهدف تعقيد التعامل بين الأكراد والعرب حتى يصل الناس
هناك إلى استحالة العيش المشترك في دولة وطنية واحدة وأنه لابد من الانفصال والتقسيم.
وكذلك مثلًا شمال اليمن وجنوبه، حيث يصل التعقيد إلى استحالة العيش المشترك في إطار وطن واحد، وهناك من يحاول إفقاد بعض أفراد الشعب المصري ثقتهم في جيشهم العظيم ومؤسسة الشرطة وغير ذلك من مؤسسات الوطن، والعمل على وعي أبناء النوبة الكرام حتى يتوجهوا إلى البعد عن وطنهم، والعمل على تأجيج الصراع مثلا بين الطوائف المسيحية بحيث يعادي بعضها بعضا.
وهناك من يعمل على إخراج تيارات إسلامية متطرفة تحمل السلاح وتكفر الناس وتقتلهم، والعمل على أن يعادي الأزهر بعضه بعضًا، فهو عمل طويل الأمد، وصبور جدًا، يستهدف التفكيك، ويعمل على تزوير الوعي وتزييفه حتى لا يبقى في أوطاننا حجر على حجر في جدران أوطاننا العظيمة، ولذلك لابد لنا جميعا من التماسك والتوحد والترابط وتجاوز كل الأزمات البينية وتذويبها والتسامي عليها، فيجب أن تشتد ثقة المصريين في جيشهم العظيم، ولابد من تضافر كل أبناء مصر من النوبيين والصعايدة وقبائل سيناء، ومطروح والواحات وحلايب وشلاتين، وغير ذلك من أبناء الوطن.
ولابد في مؤسستنا الأزهرية السعي الدائم لاجتماع شملهم بما يدفع كل قطاع أو مؤسسة داخل الأزهر أن تشعر بالثقة في ذاتها، وبدعم الأزهر وشيخه لها، وبأن العلاقة قائمة على التقدير المتبادل، وأن يجمع الإمام الأكبر كل قيادات الأزهر حوله، وسيجد حينئذ أن الجميع يقدرونه، كل هذا تمهيدا للانطلاق بأقصى سرعة في إطفاء نيران التطرف، وفي ضخ الثقة والقوة في نفسية كل إنسان مصري حتى يقف الوطن على قدميه في معترك عاصف يحيط بالمنطقة.
هل المؤتمرات والندوات فقط الحل لتجديد الخطاب الديني؟
المؤتمرات والندوات وجه من وجوه الأداء، لكن اختزال الدور المطلوب فيها يدل على قصور شديد في الرؤية وإدراك المهام المطلوبة، ربما كانت الندوات والمؤتمرات نافعة في الأوقات الطبيعية، لكننا في مرحلة استثنائية تواجه فيها مصر حربًا شرسة تريد هدم هذا الوطن العظيم، مما يوجب علينا جميعا نسيان ونكران الذات والاصطفاف الوطني والاستنفار الدائم في مؤسساتنا كلها، لتنطفئ نيران الإرهاب، ونعيد تشغيل عجلة الاقتصاد، وننطلق إلى تشغيل كل حقل وكل ميناء وكل مصنع، فنحن أمام وطن يعيد بناء نفسه.
هل هناك تعريف محدد لمفهوم تجديد الخطاب الديني؟
بكل تأكيد، التعريف المحدد لتجديد الخطاب الديني هو إعادة صناعة وعي ديني ووطني وإنساني جذاب ومنير ولافت للنظر ومؤسسي ومدرك لواقع بكل تعقيده وملابساته، وقادر على الخوض فيه ومواجهته بنجاح، بحيث يحاصر فكر التطرف والتكفير ويفنده ويفككه، ويحرز في هذا نجاحا يلمسه الناس، ويعيد بناء الإنسان المصري الجاد العبقري المبدع الرائد، ويعيد تشغيل مصانع الحضارة في الفكر المسلم حتى يرجع لقراءة القرآن فيستخرج منه الحضارة والتمدن والحياة والإحياء، وكل هذا لابد فيه من عمل منظومي مؤسسي، وفرق عمل، تعتمد على ورش عمل وخطط تنفيذ ومتابعة وحوكمة.
تجديد الخطاب الديني، هو طاقة إبداعية روحية جديدة، تنطلق داخل العقول قبل أن تتحقق على أرض الواقع، وتستطيع مواجهة فكر الخوارج الجدد بمختلف صوره وراياته وشعاراته ومقولاته، والانتصار السريع عليه، والشيخ محمد أبو زهرة قال: (إنما التجديد هو أن يُعاد إلى الدين رونقه، ويُزال عنه ما علق به من أوهام، ويُبين للناس صافيًا كجوهره، نقيا كأصله).
هل تري أن الأئمة والدعاة مؤهلين للمساهمة في عملية التجديد؟
هم يحتاجون إلى إعادة تأهيل شاق، يمكنهم من إدراك الواقع، والقدرة على الخوض فيه للوصول به إلى بر الأمان.
ما رأيك في معاهد إعداد الدعاة؟
أزمة ما زالت تبحث عن حل.
ما الذي يحتاجه الخطاب الديني الآن؟
نكران الذات، وتقديم مصر على أنفسنا.
.. وما الذي نحتاجه ليكون لدينا داعية عصري؟
نحتاج إلى الإبداع والتأنق والجمال في فهم الدين والواقع، وكيفية الربط بينهما، بما يحقق مقاصد الشريعة التي هي حفظ الأنفس وحفظ العقول وحفظ الشرائع، وحفظ الأعراض والأموال، وصناعة الحضارة، وتقدير الحياة بل والانطلاق إلى الإحياء، واحترام الأكوان، وإكرام الإنسان، وازدياد العمران، وحفظ الأوطان، وزيادة الإيمان.
البعض تحدث عن ضرورة تنقية كتب التراث، ما تعليقك؟
التراث كلمة واسعة تشتمل على النتاج الفكري للمسلمين في مختلف العلوم والمجالات، من الفقه والحديث والتفسير إلى الطب والتشريح والفلك والهندسة، وبناء المدن وتخطيطها، وعلوم البحار، وغير ذلك مما أسهم فيه المسلمون، أما بخصوص التراث الديني على وجه الخصوص فنحن نفرق تمامًا بين ما تشتمل عليه الكتب من مناهج فهم وتعامل مع الوحي والاستنباط منه، وبين مسائل زمنية كانت تناسب زمانهم ولم تعد تناسب زماننا بالمرة، ونحن هنا نستفيد من المناهج ولا نتوقف عند المسائل، فالقبول المطلق خطأ، والرفض المطلق أيضا خطأ، ويبقى لنا الانتقاء الواعي، هذا من حيث المبدأ، لكن قناعتي الشخصية هي أننا يجب أن ننظر إلى الأمام، ونجري جريًا في هذا العالم المتطور المتغير الشديد السرعة.
نحن نحتاج توليد فكر جديد وفقه جديد، وفلسفة جديدة تشتبك مع فلسفات العالم، وتقف بجوارها جنبا إلى جنب، حتى نساهم في صناعة ثقافة العالم، نحن نريد الاشتباك مع فلسفات الكوزمولوجي "علم الكون الفيزيائى" والبيولوجي، ونريد مناقشة فلسفات الحداثة وما وراء الحداثة، وما وراء الحداثة، نريد الاشتباك مع فلسفات جراهام أوبي، ووليام لين كريغ، ودانييل دانيت، وكارل بارت، نريد أن نبرز للعالم أشرف ما لدينا من قيم فلسفية وأخلاقية، ورؤية للكون والحياة تقول: "من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا"، و"ولقد كرمنا بني آدم"، و"وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا"، و"أنك لعلى خلق عظيم"، و"ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن"، و"إن الله جميل يحب الجمال".
هل أقصى مؤتمر الشيشان أهل الحديث والسلفيين من جماعة أهل السنة؟
مؤتمر الشيشان أقصى أهل التطرف والتكفير والتجسيم وحمل السلاح، مهما كان اسمهم سواء كانوا سلفية أو أهل حديث أو حتى صوفية، أي فكر يؤدي إلى الصدام والتكفير والدماء فهو مرفوض، فالمؤتمر يستهدف في الحقيقة مواجهة الذين يدمرون الأوطان، ويكفرون المسلمين، ويبتغون القتل، والذين يشكلون خطرا على مصر والسعودية والشيشان والإمارات بل ويشكلون خطرا على الإنسانية، حيث رأينا التفجيرات تحدث في مصر والسعودية وألمانيا وفرنسا، فهل هذه الشريحة من الفكر الإرهابي يرى أي أحد أنها جزء منا وأن أوطاننا مثلا تقبلها أو تتبناها؟، هذه إذن كارثة، مؤتمر الشيشان مؤتمر مهم جدا، وناجح جدا، وآثاره الآن تعمل على قدم وساق في أماكن كثيرة في العالم، للقضاء على فكر الإرهاب والقتل، أما محاولة شيطنته وتشويهه وإحداث الوقيعة بسببه فهذا سعي إخواني بحت، ومن ينخدع بهذه التشوية فينبغي أن يراجع موقفه ليرى الأمور على حقيقتها.
هل مناهج الأزهر في حاجة إلي تعديل؟
بلا شك، لابد من تعديلها حتى تكون فلسفتها الوعي والعلم والإبداع والانطلاق، وتكوين العلم الصحيح عند الطلاب بمناهج العلماء الرصينة في إدراك أدوات العلوم الأزهرية الرصينة، التي تمكنهم من الفهم الصحيح للقرآن، وتفنيد كل صور الفهم المنحرف له، حتى يعود الأزهر من جديد لتخريج العلماء الأجلاء الذين يذكروننا بمحمد عبد الله دراز، وعبد الحليم محمود، ومحمد متولي الشعراوي، وإسماعيل صادق العدوي، وغيرهم.
هل لدينا خريج أزهري مؤهل لسوق العمل؟
نعم، لكن ليس بالعدد المطلوب، الفجوة أوسع بكثير.
كيف قرأت تعامل المؤسسة الدينية مع المتطاولين علي الثوابت؟
المؤسسة الدينية تعاملت مع هذه القضية بوجوه مختلفة من الأداء، بعضها جيد ونافع وبعضها متسرع، ومن أسوأ وجوه التعامل هو اللجوء للقضاء، وإقحامه في هذه القضايا، لأن الفكر لا يواجه إلا بالفكر.
ما الحل في التطاول على الثوابت؟
الحل هو العلم والفكر، والنقاش العلمي الجاد الهادئ العميق، البعيد عن الصخب والضجيج، لأنه لا يمكن أن تولد أطروحات فكرية وعلمية جادة في جو الصخب والمشاعر المتأججة، وتبادل الاتهامات، ومحاولة كل طرف إثبات الذات والانتصار على الخصم، فهذا الجو يكون خانقا للفكر، ويكون غرضه التشفي والانتصار، فالمطلوب تجاوز ذلك كله، وإعادة تفعيل صالونات الفكر، وورش العمل، بما يتيح المجال للعقول أن تفكر وتبدع، وتغوص في مشكلاتنا وأزماتنا للوصول إلى حلول، وتأسيس عقد اجتماعي جديد يضمن لنا جميعا الاحترام المتبادل، واستقرار المجتمع.
ما الذي يحتاجه الشباب الآن؟
لا بد من تقديرهم، ومعرفة قيمهتم، والثقة فيهم، وأن يأخذوا دورهم اللائق بهم في بناء الوطن.
هل فقد الشباب قيم الولاء والانتماء؟
هذه كلمة صعبة، بل هم أهل الوطنية والولاء، وهم مكون رئيسي من مكونات معنى الوطنية، لكن تبقى أجيال صغيرة نشأت في جو تعليمي جعل وعيهم بمعنى مصر وعمقها وتاريخها ومؤسساتها وحجمها باهتا، ولذلك لابد من عمل سريع وجاد يعيد توريث الوعي بمصر ومعناها وعظمتها إلى الأجيال القادمة.
إذا أردتم توجيه رسائل.. ما هي ولمن تكون؟
نعم عدة رسائل، رسالة واحدة، إلى الإنسان المصري، أنت إنسان عظيم، قادر على أن تجتاز أزمات وطنك، وصناعة مكانة تليق به، ووطنك لن يتخلى عنك، مهما كانت أزماته، بل إن مفتاح حل أزمات الوطن هو أنت أيها الإنسان العظيم، والواجب الوطني الأول هو الثقة في النفس، والثقة في الوطن، وأن نلتف جميعًا حول وطننا حتى يكون في المكان الذي نحبه في طليعة الأمم.
فيديو قد يعجبك: