''سيدة''.. تسكن بـ''النهضة'' ولا تراها !
كتبت - إشراق أحمد:
جلست على الرصيف المجاور لمدرسة ''ليسيه الحرية'' بمنطقة المعادي، نظراتها متنقلة بين السيارات العابرة، وأرجل المارة بخطواتها المتلاحقة في اتجاه مدخل المدرسة؛ حيث مقر اللجان الانتخابية للاستفتاء على الدستور.
أصوات انتظار مَن داخل اللجان، والتساؤل عن أرقام الكشوف، ومناقشات حول الدستور، وأطفال جاءت مع أسرتها لتلعب وتشاهد؛ لكل ذلك أدارت ''سيدة'' ظهرها تضم بيدها جسدها الذي يكسوه رداء نال منه الزمن بالتمزيق والأتربة، فلم يظهر سوى أطراف جلباب أسود أسفل رداء أخضر اللون كُتب على ظهره ''أوروبا 2000'' .
''سيدة'' تأتي يومياً من منطقة ''النهضة'' بحي مدينة السلام إلى ''المعادي''، ففي الأولى تسكن بغرفة صغيرة مع أبنائها ''رشا ومحمد''، وفي الثانية تؤدي مهمتها كعاملة نظافة بشارع تلك المدرسة ''بنضف الشارع لكن الناس بترمي برضه''.
''سيدة'' كانت تظن أن تواجد الناس لانتخاب رئيس جديد '' احنا شيلنا الأولاني ولما نشيل ده هنعمل ايه''، وما أن تبدأ في توضيح الأمور لها بذكر '' كلمة دستور''، حتى تأتي كلماتها '' آه سمعت عن الدستور ابني محمد قالي رايح'' .
وعلى الرغم من ذلك لم تفكر ''سيدة'' في الذهاب للإدلاء بصوتها، فهى لم تذهب لأي من الانتخابات السابقة، قائلةً: '' ماروحتش ..هيعملوا ايه يعني؟!.. إذا كان الأولاني خد الفلوس ووداها بره، طب ما شعبه فيه ناس جعانة أنا لا عايزة أدخل ولا أشوف''.
''المهية 450 جنيه، ولولا جنيه من هنا وهناك لولا أعيش''.. هكذا قالت صاحبة الغطاء الأحمر الذي لم يستطع إخفاء الشيب بخصلات شعرها؛ مشيرةً إلى عائد إنفاقها على أبنائها الذين من جانبهم يعلمون لمساعدتها، بعد أن اضطروا لترك التعليم ضيقاً للحال '' بنتي خدت الإعدادية وقعدت والناس قالوا لي قعدتيها ليه دي كويسة وممكن تبقى دكتورة، ومحمد بيشتغل في مطبعة''.
كل ما تريده ''سيدة'' هو شقة أو '' كشك اعيش منه'' ومن أجل هذا السبب كان نزولها للمظاهرات '' وقفنا ساعة المظاهرات الأيام اللي فاتت وحصل ضرب نار روحنا عشان يدونا شقة ومحصلش حاجة وادينا بنجري مع الشعب'' .
ومع كلمات الحمد التي لا تفارقها، وجدت ''سيدة'' أنه لم يكن لوقوفها جدوى '' أهم بيهدوا الناس وخلاص ومعملش حاجة، بس برضه هو لسه جديد مالحقش فالناس ما تفتريش عليه''، مشيرةً إلى '' الرئيس مرسي'' الذي لا تعرف ولا تخبرك في حالة سؤالها عنه إلا بـ''الدكتور''.
وما أن تتذكر ''سيدة'' المظاهرات حتى يبدو صراع الابتسامة بوجهها للبقاء فترة أطول قبل إعلان الدموع أن الوقت حان لتزرف حزناً على ابنتها ''آمال'' التي ''قالوا لي ماتت في الثورة والكلام ده بعد عيد اللحمة بكام أسبوع'' لترحل تاركة ''سيد'' ابنها الصغير.
ولم تفكر'' سيدة'' في اللجوء إلى صندوق رعاية الشهداء، ولا تستوعب إمكانية أن يصل صوتها للرئيس أعلى منصب بالدولة ''هو هيشوفني فين يعني''.
فيديو قد يعجبك: