إعلان

المستأجرون بالشريط الحدودي في رفح.. العودة بخفي حنين من ''الإخلاء''

01:03 م الخميس 30 أكتوبر 2014

جانب من تنفيذ عملية تفجير جميع المباني برفح

كتبت-إشراق أحمد:

حين ورث محمد صلاح محل الزجاج عن والده، بعد وفاته في 2009، لم يفكر في تركه يوما، إلا قبل عامين، عندما ازدادت الأوضاع سوءا في رفح، لكن شيئا ما منعه، ليس فقط لأنه مصدر رزقهم الوحيد، منذ اتخذ أبيه قرار الذهاب إلى سيناء، لكن حياة كاملة من أصدقاء، جيرة وزبائن اعتاد عليهم، ذكريات تمر سريعة مشتتة بينما يلملم أشياءه من المحل الذي لازمه بعمر 15 عاما، واليوم يفارقه دون وجهة، ولا تعويض شأن أغلب المستأجرين في زمام الـ500 متر، المقرر إخلائها، وتحويلها بنص قرار رئاسة الوزراء 1957 لسنة 2014 إلى منطقة عازلة حدودية.

مع ظهيرة يوم الثلاثاء 28 أكتوبر الجاري، قامت قوات الجيش بإخطار سكان منطقة الشريط الحدودي بسرعة إخلاء مساكنهم ومحالهم حتى تمام الثامنة مساء ذلك اليوم، وإعطاء فترة بعد حظر التجول البادئ في الرابعة مساءا، وذلك لتنفيذ عملية تفجير جميع المباني وتسويتها بالأرض عملا بالقرار، لم يكن هناك بديل لدى أهل رفح ''مش متخيل المنظر.. كأني في حلم'' يقولها ''صلاح''، فالجميع من حوله أعلنها؛ حان وقت الرحيل، عربات تنقل أثاث وأمتعة عائلات، وأخرين ينقلون بضائع ملأت الرفوف، ميدان صلاح الدين المعروف بكثرة محاله، وسكانه بين أهل رفح ينفض، يبدو المشهد أمام الشاب الثلاثيني مثل فتح المعبر بعد حرب غزة 2008، مئات الفلسطينيون يمرون حاملين متاعهم حسب وصفه.

11 قرية تضمها مدينة رفح، بواقع عدد سكان يبلغ 75042 نسمة –عام 2013-، وفقا لموقع محافظة شمال سيناء، وتمتد ''حصن مصر الشرقي'' كما يطلق عليها، بطول 55 كم تقريبًا على الحدود الشمالية الشرقية، ومن جهة الشمال والجنوب بطول 13 كم، بمساحة 633 ألف كم2 فيما يعادل 150 ألف فدان.

أغلب سكان الشريط الحدودي من المالكين للمنازل والمحال، تم تعويضهم حسب عماد الشريف، صاحب صيدلية في ميدان صلاح الدين ''على حسب البيت أو المبنى اللي بيمتلكه كل واحد بعد ما يخلي ياخد الشيك من مجلس المدينة والجيش'' على حد قوله، غير أن المستأجرين وحدهم يزيد صمت خروجهم عن غيرهم، فالتعويض فقط للمالكين ''ولما قولنا لمجلس المدينة قال لنا اتفقوا مع المالك''، صاحب العقار الذي يستأجر ''الشريف'' منه حصل على تعويض قرابة مليون و600 ألف جنيه على حد ذكره، لكنه لا يعتقد أنه سيحصل على شيء ''قبل كده عرض علي 30 ألف جنية خلو رجل ورفضت ودلوقتي خلاص''.

570 محل بزمام المنقطة الحدودية مسجل لدى مجلس مدينة رفح كما يقول ''الشريف''، جميعهم يحملون صفة ''الإيجار القديم'' وبالتالي تم الإقرار أنهم خارج شرط التعويضات.

أخلى ''الشريف'' الصيدلية التي يمتلكها منذ قرابة 30 عاما ''واخدها بعقد مشهر مدى الحياة''، 80 جنية المبلغ الذي يدفعه وفقًا لعقد الإيجار، بينما الآن يبحث عن محل آخر خارج ذلك الزمام، لكن يكون إيجاره أقل من 500 جنية، فضلا عن إعداده ليصلح أن يكون صيدلية.

''هنطلع من المولد بلا حمص'' وكذلك يوقن ''صلاح'' فطريق التفاوض مع المالك من أجل إعطاءه تعويض ''استحالة يحصل'' حسب وصفه، ورغم علم الشاب عائل أسرته الوحيد بعد أبيه، بأمر الإخلاء ''كنا عارفين من زمان وأخر مرة قالوا لنا بعد شهر 12..فقلت لسه قدامي وقت لغاية ما ألاقي حاجة''، لكن الأمر لم يكن سهلا على الوافد إلى شمال سيناء مع أسرته، من الجيزة، ليقطن في حي الإمام علي منذ الثمانينيات، بعد أن هاجر إليها والده وعدد من عائلته، عقب تردد الحديث في ذلك الوقت، عن ضرورة التنمية وأن المستقبل تحمله هذه المنطقة.

لم تكن تلك المرة الأولى للحديث عن إخلاء الشريط الحدودي وتهجير سكانه لمنطقة أخرى، كثيرا ما تردد على مسامع القاطنين، لكن طالما ظل مجرد كلمة تعلن عن المساحة المقرر إخلالها من 300 حتى أصبحت 500،  لم يتم اتخاذ ميعاد محدد  حتى عقب أحداث ''كمين القواديس'' الذي راح ضحيته 30 من أفراد الجيش وأصيب أخرون، فتصاعدت وتيرة الحديث مرة أخرى حتى التنفيذ الثلاثاء الماضي، ففي 2004 تم عرض الأمر لكن تحت مسمى ''فصل رفح المصرية عن الفلسطينية لمنع حفر الأنفاق''، وكذلك في 2008 كمخطط للإعمار مما يتطلب إخلاء المنطقة، وأخيرًا تنفيذ الأمر لدواعي محاربة الإرهاب.

قرابة 70 منزل بين 822 تقريبا الذين تضمهم منطقة الشريط الحدودي، مستأجرين حسب قول ''الشريف''، وهم من لجأوا إلى سكن المحافظة المعروض، أو المكوث لدى الأقارب حتى إيجاد سكن آخر، وقد تقدم أصحاب المحال المستأجرة بشكوى قبل قرابة أسبوع مع تردد أبناء عن احتمالية الإخلاء، إلى مجلس مدينة رفح، وأخرى إلى المحافظة، ورئاسة الوزراء وأخيرا إلى رئيس الجمهورية.

لم يعد لعائلة ''صلاح'' العائل الوحيد لعائلته المكونة من 6 أفراد سوى ''كشك'' صغير جوار البيت تقف به والدته، ومعاش أبيه الموظف، يعتصر الألم الشاب بينما ينهي إخلاء محل الزجاج البالغ مساحته (5×9) أمتار والذي استأجره والده قبل 25 عاما، لكنه لا يفتأ يقول ''لو الإخلاء ده لصالح الأمن القومي أحنا معاه ولو على حساب بيتي بس يكون لمصلحة البلد''.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان