لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

البحث عن ''جركن'' مياه أفضل من جحيم ''6 أكتوبر''.. هنا منطقة ''الرزاز''

02:54 م الإثنين 10 نوفمبر 2014

كتبت- دعاء الفولي:

تضعهم الحياة تحت ضغط خيارين على قدر كبير من الصعوبة؛ بين ترك مكان المعيشة والرزق والانتقال إلى محيط أكثر انعزالا وأضيق مساحة، أو البقاء على ضفة صخور آيل بعضها للسقوط، وبنية تحتية لا يوجد بها ماء متدفق، في منطقة ''الرزاز'' بمنشأة ناصر أسفل هضبة الحرفيين؛ كلما ترتفع المنازل تشح المياه، يعتمد السكان الموجودون في الأعلى على قوتهم الجسدية لإحضار المياه من البيوت في الأسفل بشكل منتظم، تدخل المنطقة في الحصر الحكومي كمكان يجب اخلاؤه من السكان لخطورته، غير أن بعض القاطنين يفضلون البقاء والتعامل مع أزمة المياه على الذهاب إلى مدينة 6 أكتوبر.

كانت أم عثمان تتكئ على ابنتها التي تحمل طفلا رضيعا، تُخبرها عن جارتهم التي خرجت لتملأ زجاجات المياه كما اعتادوا، غير أن أم عثمان لم تستطع إنجاز المشوار اليومي هذه المرة ''رجلي وجعاني يابنتي''، قالتها بانكسار في الصوت، لم تستطع الابنة العشرينية حل محلها في إحضار المياه من المنازل في الأسفل ''اليوم اللي بننزل فيه نملى ماية مبنعملش أكل''، قالت الابنة.

منذ سنوات بعيدة جاءت أم عثمان –في الستين من العمر- لتقطن بشارع مصطفى غريب، بمنطقة الرزاز. ''في الجبل''؛ هكذا يطلقون على المكان، وقتما سكنت السيدة كانت حالة المياه أسوأ، إذ كانت تُحضرها من منطقة الحسين والجمالية.

كالآخرين بالمنطقة عُرض عليها أن تنتقل إلى مساكن تتبع المحافظة بأكتوبر، لكنها رفضت ''معايا 3 رجالة عازبين.. هنقعد فين كلنا؟''، الشقق التي من الممكن أن تحصل عليها قاطنة ''الرزاز''، لا تتضمن غير المتزوجين، فكي يحصل أحدهم على شقة مستقلة يجب أن يكون قد عقد قرانه على إحداهن، ومع ظروف البطالة الطاحنة لا يعمل الشباب الثلاثة في مهن ثابتة، تنزعج ابنة أسيوط من مشوار الصعود والهبوط اليومي، إلا أن الانتقال إلى أكتوبر سيكلف أم عثمان مسافة أبعد، ويقطع عنها عمل قد يأتي للأبناء، على حد اعتقادها.

قامت محافظة القاهرة في 7 إبريل 2014، ببدء حملة لإزالة البيوت الواقعة بين حارتي المأذون ومحمد ثابت، بمنطقة ''الرزاز'' طبقا لقرار إزالة رقم 16 لعام 2014 صدر بشأنها من رئاسة حي منشأة ناصر، بعد أن أكدت تقارير اللجنة الهندسية العلمية التى شكلتها محافظة القاهرة من عدد من أساتذة الجامعة المتخصصين في مجالات الجيولوجيا وهندسة التربة لفحص هضبة الحرفيين وتحديد مناطق الخطورة بها ووضع الحلول العلمية لعلاجها بضرورة إخلاء المنطقة وسرعة التعامل مع الهضبة برفع الصخور المقلقة وتحويل المنحدر الي مصاطب، وقد تم إخلاء 18 منزل من أصل 22، تم هدم بعضها غير أن جزء منها تبقى، وبعض العائلات عادت عقب الإخلاء بعدة أيام لعدم صلاحية شقق المحافظة للسكن –حسب بيان أصدرته عدد من المنظمات الحقوقية في مايو الماضي- المنازل المعنية بالإخلاء تقطنها 100 أسرة، كما أن مساحة الشقق بأكتوبر تبلغ 30 مترا للواحدة.

بيتهم هو الأعلى في المنطقة، منه تُرى مساكن الدويقة على الجهة الأخرى ''دي البيوت الجديدة اللي الحكومة بنتها''، قالت أم عيد، حولها كان الأحفاد يتراكضون؛ مختار، كريم وسلامة، تقطن في المنزل مع زوجتين لأولادها، وابنة لم تتزوج بعد، رحلة المياه اليومية يتم تقسيمها بين النساء الموجودات، 22 عاما مروا منذ قدومها للسكن بالهضبة من بني سويف، يعمل كثير من رجال منطقة الرزاز في المهن الحرة المعتمدة بشكل كلي على اليومية، لذا فالانتقال إلى مساكن أكتوبر ضرره أكبر من النفع ''هيخرجوا يشوفوا رزقهم فين في الحتة المقطوعة هناك؟.. على الأقل احنا هنا جنب وسط البلد''، قالت أم كريم إحدى زوجتي أبناء أم عيد.

تتحمل أم عيد وآل بيتها مصاعب أكبر من ملء المياه؛ ''فيه حشرات وناس مش كويسين.. احنا عايشين في جبل''، رغم عدم الأمان المتواجد بالمنطقة خاصة ليلا، فإن أكثر من ساكن بها رفضوا وصم الإعلام لهم بمنطقة تسطع فيها تجارة المخدرات أو الدعارة، يجعل ذلك بعضهم أكثر عدوانية فيما يتعلق بتصوير منازلهم.

كان أحدهم يمتطي حمار رُبط فيه أكثر من ''جركن'' للماء، يصعد الحمار بصعوبة فوق الأرض غير الممهدة، تُشير أم عثمان بيديها إليه قائلة ''اللي معاه الجراكن ده طالع بيتهم عشان هما جوة الجبل أكتر مننا''، الصعود للأعلى مفروش بالحجارة المترامية والمنحدرات الخطرة ''كان فيه بيوت هنا واتهدت عشان صحابها مشيوا''، قالت أم عيد. الفجوات التي حلت مكان البيوت المتهدمة، امتلأ بعضها بالقمامة، والآخر ظل ساحة غير آمنة يلهو الأطفال بجانبها.

يدفع الشيخ سيد أحد أهل ''الرزاز'' 40 جنيها يوميا لإعادة ملء ''الجراكن'' بالمياه، لا تنزل زوجته لإنجاز المهمة الصعبة؛ فيطلب من أحد سائقي التوك توك إحضار بعضها له ''الجركن بشتريه بجنيه وربع''، قال الرجل الملتحي قبل أن يقاطعه محمد عبد الصالحين، أحد الجيران قائلا: ''كان بنص جنيه وغلوه بعد كدة''، ليس بيد أحدهم حيلة، خاصة أن عُمر الأخير جاوز الست وستين عاما، فلا يستطيع الهبوط للأسفل عادة، يبلغ نصيب الفرد في مصر من المياه 857 متر مكعب في السنة، وهو تحت خط الفقر المائي، الذي يكون نصيب الفرد فيه 1000 متر مكعب على الأقل.

عبد الصالحين يعمل في دكان صغير يبيع فيه الحلوى، يمتلك بيتا متسع، حينما أتى للهضبة كان في العاشرة من عمره، يذكر كلمات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حين طالب الشباب بإعمار الصحراء، لم يُكذب والده خبرا وسار هو على الدرب من بعده، مشكلة المياه قديمة كالمنطقة، لكن الحلول لاحت في الأفق؛ فبعض المنازل بالأسفل ألحق بها أصحابها موتور ضخ المياه، وكلما ارتفع مكان المنزل، يجب أن يصبح حجم الموتور أكبر وأغلى ثمنا، لا يمانع بعض أهل المنطقة جمع المال، لكن الآخرين حاجتهم المادية لا تكفي، لذا عليهم الانتظار.

أمام بيت يقع في مستوى منخفض من التلة كانت رشا محمد تجلس بجانب فاطمة قريبتها، تُمسكان بـ''الجراكن'' الخالية على أمل امتلائها بالماء قبل حلول المساء ''العيال عطشانين عندي فوق''، قالت الأولى. صنبور صغير على باب البيت يضخ المياه بقوة أحيانا بينما يصير تدفق المياه بطيئا في أحوال أخرى، وقتها تتساوى البيوت في الأعلى والأسفل في حاجتها للماء.

أصدرت منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والمركز المصري للإصلاح المدني والتشريعي، بيانا في العاشر من إبريل 2014، يطالبون فيه محافظ القاهرة بضرورة اتخاذ كافة الوسائل التي تضمن لمن تم تهجيرهم من المنازل بـ''الرزاز'' حياة كريمة، وجاء في البيان ''نطالب بسرعة توفير المعلومات الكاملة عن مصير سكان المنازل الرافضة للإخلاء نهائيًّا، الذين امتنعوا عن الحصر، والتفاوض معهم بشكل عاجل في مسألة تبلغ الغاية في الحساسية والدقة لحياة المواطنين، وتهدد بإهدار الكثير من حقوقهم في أي لحظة. كما نعرب عن قلق شديد من احتمال لجوء القوات المكلفة بتنفيذ عملية الإخلاء لاستخدام العنف ضد الأهالي الرافضين للإخلاء ومحاولة إخلائهم قسريًّا بالقوة قبل الوصول إلى اتفاق مرضٍ لهم''.

منشأة ناصر تدخل ضمن 372 منطقة غير آمنة بمصر، طبقا لتقرير الصندوق القومي لتطوير العشوائيات عام 2013، ورغم ذلك يُصر المتضررون على عدم تركها، كشيماء إبراهيم التي تستغرق ثلاث ساعات يوميا لإنهاء عملية إحضار المياه، جلست ''إبراهيم'' مع أسرتها على فرشة صغيرة، يتناولون طعام الغداء، 4 سنوات هو عمر وجودها بالمنطقة، بينما أختها كانت من الذين اختاروا الذهاب إلى مساكن أكتوبر ''هناك مش أحسن من هنا.. فلوس المواصلات من أكتوبر لوسط البلد لوحدها كفاية''، قالت الأخت الجالسة لجانبها حيث أتت لها في زيارة، بينما يبدو على شيماء الرضا بالوضع الحالي ''مش عايزة أمشي.. بيتي هنا خمس أوض وصالة كبيرة وبتاعي لوحدي.. أروح أكتوبر في الزنقة ليه؟.. لو على مشكلة المياه أدينا صابرين لحد ما نشوف الحل''.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان