لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في حفل تأبين ''رضوى عاشور''.. قصيدة ''مريد'' عنها وحكايات لم تروَ من قَبل

03:14 م الإثنين 12 يناير 2015

كتب- محمد مهدي:

كأنها لم ترحل، فرغم مغادرتها الحياة منذ أكثر من 40 يوما مازال وقع خطواتها الصغيرة الواثقة يُسمع في طرقات كلية آداب جامعة عين شمس، بصمات روحها في الأروقة والمكاتب، ضحكاتها ونقاشاتها الحميمة الدافئة عالقة في أذهان زملائهما كأنها حدثت منذ لحظات، نظراتها الثاقبة وكلماتها المُحملة بالأمل في قلوب طلابها يستمدون منها نور يضئ طرقهم المعتمة أحيانا، العاملات اللاتي تتناوبن على تنظيف مكتبها يبكونها ''كانت ست الكُل''، كل شيء هناك في حفل تأبين الأستاذة والأديبة ''رضوى عاشور'' داخل قاعة المؤتمرات بكلية الآداب، كان يؤكد أنها مازالت باقية، لم تغادر عالمنا بَعد.

امتلأت قاعة المؤتمرات بكلية الآداب مساء أمس الأحد عن آخرها بالحضور، أسرة وأصدقاء وزملاء وطلاب ''رضوى''، وفي الخارج وضعت طاولة عليها كتيبات عنها، وسلة أنيقة داخلها ''دبابيس'' مطبوع على سطحها صور الأستاذة الراحلة، وقفت أمامهما فتاتين تناولان المارة محتويات الطاولة بابتسامة رائقة ''احنا معيدات بس الدكتورة رضوى درست لنا وبنحبها جدًا. دي أقل حاجة نقدمه لها''.

في الداخل بدأت مراسم التأبين فور وصول مريد وتميم البرغوثي، تعاقب على المنصة العديد من الشخصيات يتحدثون عن ''رضوى'' أدبها في الروايات، وأدبها في الحياة، عنها كأستاذة تعرف كيف تحتوي الطلاب وتعاملهم كأم، وعنها كسيدة مناضلة تواجه الظلم والفساد وتقف بقامتها القصيرة بشموخ في وجهة سدنة القبح، وبينما الحديث يتوالى شقت سيدة خمسينية ترتدي جلباب أسود بسيط طريقها بين الحضور، اتجهت إلى آل برغوثي، احتضنت الصغير، وربتت بيدها على الكبير، ثم غادرت.. كانت السيدة ''أم تامر'' إحدى العاملات بالكلية.

تُسأل ''أم تامر'' عن رضوى فتدمع عيناه، تتوقف الكلمات في فمها لثواني، قبل أن تقول بصوت مُغرق في الحزن ''مش هيجي زيها والله تاني.. ملهاش وصف''، تحكي عن ذكريات 25 سنة تعاملت خلالهما مع ''رضوى'' منذ أن قدمت من جامعة القاهرة لتدرس لطلبة عين شمس.. دماثة خلقها، طيبتها المفرطة، كرمها الزائد.

''الحياة قبل رضوى ليس كبعدها'' تلفظها بوهن الدكتورة شيرين مظلوم، التي التقت بالراحلة كطالبة أمام أستاذة، تذكر خشيتها وزملاءها من الدكتورة الأديبة، زوجة الشاعر، لكن سرعان ما فر قلقهم عندما تفوهت ''رضوى'' في أول محاضرة ''أنا جايه أتعلم منكم مش العكس''، هكذا كانت تعامل طلابها.

يترك ''بهاء جاهين'' مكانه بجوار شقيقته ''سامية'' ويتحرك إلى المنصة، نسخة أصيلة من أبيه، يتجول بين الكلمات ينتقى أفضلهم في وصف رضوى ''مواقفها الغاضبة لم تكن غضبا بل حبا.. حبا للعالم والخير والجمال''.

ومن خارج القاعة والبلاد نفسها يأتي صوت الروائية اللبنانية ''هدى بركات'' عبر حديث مسجل، تبدي إعجابها وتعجبها من تصرفات الراحلة معها، دعمتها وقت أن كانت أديبة تحبو في عالم الكتابة، مدت يديها في أول لقاء بينهما وأعطت لها عُقد فضي ترتديه كهدية ''لم أنسَ لها أبدًا حركة يديها الكريمتين ومعنى هذا الفعل''.

أحد الأساتذة تُقاطع الحديث المتدفق من الحضور، تقول بفرحة ''والله العظيم دا حصل دلوقتي.. في حمامة حاولت تدخل القاعة أكتر من مرة بس منعها الباب المقفول''، تسري همهمة داخل القاعة، تساؤلات هل هي إشارة ما أم مجرد صدفة، يتوقفوا فور صعود مريد وتميم المنصة، الأول متماسك، الثاني مُثقل بالأحزان.

يتلو الأب شعرا في حبيبته وزوجته ''رضوى'' يقول ''من ينشغل بحزنه على فقد المحبوب، ينشغل عن المحبوب.. الآن أطلب من حزني أن يتجه إلى أقرب بوابة ويغادر''، صمت يجوب المكان لا شيء يعلو فوق صوت الحبيب '' لست أنت المهم اليوم ولا أنا أيها الحزن، أنا منشغل بها لا بك أنت.. بسعيها العسير للنصر في مواجهات زمانها''.

الوجوه مشدوهة نحو ''مريد''، صوت خفقان القلوب يكاد يُسمع من شدته مع كل كلمة يتلوها الشاعر العاشق، يُحرك بكلماته أي ساكن، ويُسكن الأمل في أي متقلب بين الفقد والخوف، يبعث للحزن رسالة قاسية، ووصية لمريدي زوجته، يُنهي قصيدته متكئًا على ما تركته ''رضوى'' من تفاؤل:

اتركوا الأبواب مفتوحة ليخرج الحزن ولتدخل السيدة

وقعُ خطاها خفيف وأكيد على هذا الدرج

إنني أسمعه يقترب

رضوى عاشور جزء مما سيصنعه هذا الجيل في أيامه الآتية

وهو جزء مما صنعته في أيامهِ الماضية

إن أثقل من رضوى ما تركته لنا وما تركته لنا

رضوى عاشور تركتنا بعدها لا نبكي بل لننتصر

تركتكم بعدها لا تبكوا بل لتنتصروا

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان