في رثاء صاحب التجليات
كتبت-نسمة فرج:
عمر كامل قضاه الغيطاني يبتهل في محراب الكتابة، لذا حينما وافته المنية، التمعت سيرته الحسنة على لسان مؤسسات كثيرة في الدولة نعته؛ القوات المسلحة، المجلس القومي لحقوق الإنسان، ومؤسسة الأزهر وغيرهم.
بعد هزيمة 67 اختار أن يكون على الجبهة مع الجنود، فعمل مراسلاً حربياً في جريدة الأخبار 1973 فاكتسب خبرات الكتابة الوصفية ونقل بدقة تفاصيل المعركة إلى قراء الجريدة كان ينقل الحياة التي عايشها الجنود في الحر، لذا كان لزاما على القوات المسلحة أن تنعي وفاته في 28 أكتوبر.
خاض الأديب الراحل أيضًا معارك موازية في بلاط صاحبة الجلالة، وخرج منها منتصراً أمام الجميع، فهو رئيس التحرير الوحيد في مؤسسة "الأخبار" الذي لم يحكم بتهمة الفساد رغم ما قيل عنه من شائعات أثناء توليه رئاسة تحرير "أخبار الأدب" والتي تركها قبل ثورة يناير بأيام قليلة بسبب وصوله لسن المعاش.
يقول يحيى القلاش، نقيب الصحفيين، إن نقابة الصحفيين تعتز بعضويته فيها؛ لأنه مثلما كان روائي كبير فهو صحفي محارب بالإضافة أنه شخصية موسوعية، استطاع بقلمه كصحفي وأديب أن يحفظ للذاكرة المصرية العمليات الحربية، وحياة الجنود على الجبهة، ذلك من بعد النكسة مرورًا لحرب أكتوبر، وسجل صاحب التجليات بطولات الجندي المصري في الحروب.
آمن الغيطاني بأن المواطن المصري البسيط قادر على استيعاب الحضارة المصرية القديمة كما في لحظات التحديات الفاصلة، يظهر معدنه الحقيقي للتصدي للمخاطر والحفاظ على الهواية المصرية، كان آخر هذه المعارك التي خاضها ضد الإخوان -كما يقول القلاش-، إذ كان يعتقد أنهم يسعون لتغيير الهوية المصرية، فيما كان انحياز الغيطاني دائمًا للموطن المصري البسيط، ودفع ثمن دفاعه الاعتقال في الستينيات.
من وجهة نظر القلاش، فالغيطاني يقترب من عالمية شيخه نجيب محفوظ، ذلك لغزارة انتاجه الأدبي وإثراء المكتبة بمؤلفاته كما أن رواياته ترجمت إلى لغات عديدة، كونه صحفي وأديب كبير أسس صاحب الزيني بركات أول جريدة ثقافية، وهي أخبار الأدب لكي تناقش وتقدم الموضوعات الأدبية.
أفنى الغيطاني وقته وجهده في الحفاظ على التراث ورسم الحارة المصرية، وأثرى المكتبة العربية بالمؤلفات؛ فنال ما يستحق من الأوسمة والنياشين، كجائزة الدولة التشجيعية والجائزة التقديرية ووسام العلوم والفنون وجائزة العويس.
"حقوق الانسان" تنعيه
نعى المجلس القومي لحقوق الإنسان، الراحل جمال الغيطاني، الذي طالما ساندت رواياته وأعماله قضايا حقوق الإنسان، على حد قول حافظ أبو سعدة، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، مضيفا أن روايته الأشهر "الزيني بركات" ناقشت فكرة الاستبداد والظلم والقمع والخوف والتجسس على الناس.
كما أن نعي المجلس جاء لأن الغيطاني شخصية مهتمة بفكرة الإنسان عمومًا، يُكمل أبو سعدة "ومن المفترض أن تكرم الدولة أدباءنا ومفكرينا الذين أثروا الحياة الثقافية والإنسانية"، فبريطانيا ومعظم دول العالم تعتز بأدباءها لأنهم القوى الناعمة للدولة.
شارك في تجديد الخطاب الديني
"التاريخ سيظل يذكر الفقيد بأعماله الأدبية الأصيلة، ومنهجه في احترام حضارة أمته وثقافتها وتراثها، وتعمقه في تاريخ الأمتين العربية والإسلامية وآدابهما، وجهوده الفكرية في الثقافة المصرية والعربية الإسلامية، ومشاركته بأفكاره الرصينة مع الأزهر الشريف في إعداد وثائقه العامة وإصدارها، وآخرها وثيقة تجديد الخطاب الديني التي لم تصدر بعد".. بهذه الكلمات نعت مؤسسة الأزهر الغيطاني.
تحدث الدكتور محمد الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامي، عن مشاركة الغيطاني قائلًا :" عندما كان يدعو الأزهر المثقفين والمفكرين والأدباء للمشاركة في خروج الوثائق كان رحمة الله عليه على رأس الحضور فهو ليس له خصومة معنا".
شارك الكاتب برؤيته في كثير من الوثائق التي أخرجها الأزهر، التي تحدثت عن حقوق الإنسان والحريات مثل حرية المرأة والفكر والتعبير، كما ساهم أيضًا في تجديد الخطاب الديني، وكان يملك رؤية قوية في هذا الجانب.
فيديو قد يعجبك: